مما لاشك فيه أن الإعلام الجديد أوجد منطقة يصعب احتواء أبعادها أو رصد طالعها المتجدد كل لحظة، فضلا عن التشعبات والمآرب الكثيرة. هذه المنطقة المضيئة بالأصوات والأيدي، تصافحنا بالمألوف وغير المألوف، بالواقعي والخيالي، بالحقيقي والمزيف، بالأشياء التي يمكن فهمها والأشياء التي يستحيل فك طلاسمها الغرائبية. طبعا القضية العصية عن الفهم، ليست في اندفاع هذه الأخبار المتناقضة في قنوات الإعلام الجديد والأجهزة الذكية، بقدر ما هي في تضخم المغلوط منها وتكراره في كل مرة، حتى باتت أخبار نفي الشائعات في المشهد المقروء والمسموع أكثر من الشائعات نفسها! وأكاد أجزم أن طول التسمر والبقاء أمام أخبار هذه القنوات والأجهزة (كيفما اتفق) يغيب تدريجيا حس الانتباه والتركيز واليقظة ويعزز شعور اللامبالاة في النقل والتدوير، وأقصد بعبارة: كيفما اتفق، التعاطي السهل والقراءة السريعة للأخبار التي تأتي في ثوب: عااااجل، الحقوا، لا يفوتكم! حتى يشعر المتداخل في هذه النوافذ بمألوفية النسخ واللصق وتحبير الفراغ بالنقاشات التي لا أصل لها! اتساع مثل هذه العناوين وحضورها في معية المواضيع المثارة ودوران البعض حولها يترك دويا في المشهد المعاش، كأنما تخلل سمع المرء أنمله العشر كما يقول المتنبي الذي يظهر أنه ليس وحده من ملأ الدنيا وشغل الناس! حسنا، ربما يقال إن الذي يحدث إفراز طبيعي لهذه المرحلة التواصلية السريعة ولهذا الزمن المفتوح على مصراعيه حد اختلاط الحابل بالنابل، وربما يقال إنها لا تشكل ظاهرة تستحق التأمل والنقاش، وهي احتمالات متاحة للرأي على كل حال، لكني أنظر خطورتها من جانب الاعتيادية التي قد تغلب على البعض دون شعور، نتيجة البقاء الطويل داخل هذه الأخبار المغلوطة ومناقلة روابطها بنهم واستباق، رغم أنها لا تفتح أكثر من الإثارة الفارغة شكلا ومضمونا.