غالبا ما يتم التركيز على الفكر المتشدد حين يفتح موضوع تجنيد صغار السن في صفوف داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية، وهذا أمر صحيح ولكنه ليس كل شيء، خصوصا أننا اليوم أصبحنا نقرأ أخبارا عن انضمام يابانيين وأوربيين وأمريكيين لا ينحدرون بالضرورة من جذور إسلامية، بل إن عددا من مبتعثينا الذين التحقوا بصفوف هذا التنظيم لم تظهر عليهم سمات التدين من قبل وشكل سفرهم إلى مناطق الصراع صدمة كبيرة لأسرهم ما يوحي بأن المسألة لا تتوقف دائما عند تحريض المتشددين. لقد كتبت فتاة فرنسية على صفحتها في الفيس بوك بمجرد انضمامها إلى داعش: (لقد وصلت حلب..أشعر أني في ديزني لاند) وكان ذلك قبل أن تكتشف كذب وزيف هذه التنظيمات وتهرب إلى بلادها، حيث احتجزت هناك، كل ذلك يشير بصورة ما أن عددا لا بأس به من المراهقين والمراهقات تغريهم التجربة المثيرة الفوضوية المليئة بالمغامرات أكثر مما تجذبهم أفكار هذا التنظيم الإرهابي. نحن اليوم أمام جيل مختلف تلاعبت بأدمغة الكثيرين منهم ألعاب الفيديو والحياة في العالم الافتراضي فأصبح قياسهم للأمور لا يرتبط إطلاقا بالواقع، وقد عانت الصين قبل عدة سنوات من ظاهرة انتحار بعض المراهقين الذين يتركون رسائل لذويهم ملخصها: (انتحرت لألتحق بالعالم الافتراضي)!، وقد أدرك تنظيم داعش قبل غيره الفجوة العقلية الجديدة في أدمغة بعض أبناء هذا الجيل فبدأ بإطلاق ألعاب فيديو تركز على القتال وإبادة الخصم لأن هذا ما يهواه الصغار اليوم، كما أن العدد الأكبر من هؤلاء المراهقين يتم تجنيدهم عبر التواصل معهم من خلال العالم الافتراضي عبر صفحاتهم في الفيس بوك أو معرفاتهم في تويتر وغير ذلك من وسائل التواصل التي يصعب أن يلاحظها ذووهم. ولأن طباخ السم يذوقه فإن الغرب الذي اخترع هذه الوسائل والألعاب ووضع مسألة الربح التجاري فوق أي اعتبار تربوي أو أخلاقي بدأ يدفع ثمن هذا الجشع التجاري بطريقة لم تخطر على بال أحد، فمعادلات الشر والخير اليوم لم تعد ألعوبة بيد السينما الأمريكية، حيث يقوم رامبو الأمريكي بإنقاذ العالم من الأشرار، بل أصبحت المعادلة الجديدة بأيدي هؤلاء المراهقين، حيث يقوم بتحديد الطرف الشرير وفقا لقناعاته و غالبا ما يختار مقاتلا متمردا يحارب الجيوش النظامية ربما لزيادة جرعة التحدي أو لأن عقله الباطن يحدثه بأن هذا العالم خال من العدالة ولا مناص من التمرد عليه، خصوصا أن الظلم الكبير الواقع على العالم الإسلامي بسبب السياسات الأمريكية الظالمة في أكثر من مكان كاف جدا بالنسبة لهؤلاء الصغار كي يرتبوا مفاهيم الخير والشر وفقا لقناعاتهم وليس بناء على ما تقوله ماكنة الإعلام الأمريكية. كل هذا الكلام لا يلغي أبدا أن الفكر المتشدد التحريضي هو العامل الأساس في جذب المراهقين إلى هذه التنظيمات ولكن ثمة خللا غير مفهوم في نفوس هؤلاء الصغار يحتاج قراءة جديدة فهم في بعض الأحيان يلعبون أكثر من كونهم يقاتلون!.