رغم أن بلادنا تعيش هذه الأيام تغيرا ثقافيا إيجابيا فيما يتعلق بوضع المرأة في المجتمع ورغم أننا نلمس هذا التغير بوضوح في تنامي أعداد المتعلمات والعاملات في مختلف المجالات بما يجعل المرأة تشكل قوة اقتصادية مؤثرة في المجتمع، برغم كل هذا إلا أن ثقافة المجتمع ما زالت تحمل كراهية كبيرة (لتمكين) المرأة وفي سبيل ذلك لا تبالي هذه الثقافة أن تزيف بعض الحقائق لتحد من خطو المرأة وتعطل تقدم سيرها. فثقافة المجتمع تزرع في ذهن المرأة وأذهان الناس من حولها، أن المرأة لا يمكن أن تجمع بين تحقيق الطموحات الذاتية والأنوثة ورعاية الأسرة، فمن تشغل نفسها بالركض وراء طموحاتها الخاصة، تفقد أنوثتها وتكتسب صفات ذكورية إضافة إلى أنها غالبا تفشل في حياتها الأسرية وتقصر في حق زوجها وأولادها!! وحين تتشرب المرأة هذه الأفكار تقع في صراع مع ذاتها متى اختارت المضي وراء مطاردة الطموحات، فيصيبها القلق والتوتر خشية أن تفقد أنوثتها، كما يعتريها الشعور بالذنب تجاه وهم التقصير في رعاية الأسرة، وغالبا تضطر تحت وطأة تلك المشاعر السلبية، إلى تقديم التنازلات والتضحيات التي تئد معها كثيرا من الأحلام. وأسوأ من هذا، أن ثقافة المجتمع لا تحمي المرأة التي تستجيب لمطالب تلك الثقافة فتئد طموحها وتتخلى عن أحلامها في البروز وإثبات الذات مكتفية بالتقوقع على نفسها داخل البيت والتفرغ لإدارة شؤونه لا غير، فالمرأة التي تتعرض للقهر فتقع ضحية عنف وظلم، سواء بالإيذاء البدني أو النفسي، أو العضل من الزواج، أو الحرمان من الميراث، أو الاستيلاء على المرتب أو الطلاق التعسفي أو غير ذلك من صور القهر، لا تجد في ثقافة المجتمع ما يحميها من شيء من ذلك أو يساندها بما يكفي لنصرتها. فالسائد في ثقافة المجتمع، الميل إلى التسامح مع العنف والقهر الذي يقع على المرأة، بل أحيانا تتمادى تلك الثقافة في خذلان المرأة فتطالبها بالصبر والتحمل، خاصة متى كان العنف صادرا عن أبيها أو زوجها، هذا إن لم تقلب الأمر ضدها فتجعلها هي المتسببة في إيذاء نفسها بسبب (تمردها) وعدم خضوعها!! ومن نافلة القول، إن تعرض المرأة للعنف والظلم، ينعكس أثره عليها في صورة اكتئاب وإحباط وتدني درجة تقدير الذات، فيقلل ذلك من حيويتها وتفاعلها الإيجابي مع الحياة. وتشح عندها الطاقة الإيجابية فينخفض مستوى عطائها، وتبدو أمام الناس أقل عطاء وأدنى جودة في عملها من الرجل!! ومن المسلم به، أن الاستمرار في تغذية ثقافة المجتمع الخاذلة للمرأة، يجعلنا ننظر إلى المستقبل في شك وريبة، فالعالم اليوم بات يتجه إلى إزاحة الفروق النوعية وتصيد الكفاءات والقدرات الأعلى أينما وجدت في النساء أو الرجال، أي أن فرص التفوق في الدول ستكون متاحة أكثر أمام المجتمعات التي تركز على استهداف الكفاءات الأكبر والقدرات الأفضل، دون التقيد بقيد النوع ذكر أو أنثى.