لم يعد لثقافة العيب المزعومة مكان في المجتمع وفي سوق العمل بعدما ركل الشباب تلك النظرة المعيبة فدخلوا بمثابرة وتحد الى عمق السوق بيعا وشراء وكسبا حلالا.. تلاشت النظرة الدونية بسرعة فائقة وسط محيط واسع من الشبان وحتى كبار السن فشق الفتيان طريقهم الى كل موقع يدر الدخل الموفور والربح المضمون وراحة البال والضمير غير مكترثين لنظرة الازدراء التي كانت تصوب اليهم في فترات سابقة.. والصورة تتضح جليا في حلقة الخضار والفواكه في شمال جدة والتي عرفت في فترات سابقة بأنها معقل العمال الآسيويين الذين وجدوا في المكان متسعا بعد ان هرب منه الشبان حتى تحول المكان الى سوق سمك آخر يسيطر عليه الاغراب. التحكم في المداخل في سوق الخضار والفواكه شباب نفضوا عن أيديهم غبار الكسل وثقافات الماضي ثم توجهوا الى العمق يشترون ويبيعون مشكلين حاجز تصد للعمالة الوافدة التي كانت تتحكم في مداخل ومخارج وعمق السوق، فبات مألوفا هنا ان ترى شابا سعوديا بزيه الوطني يحرج على بضاعته من الطماطم والخيار والحبحب والجرجير. في إفادات صحفية سابقة اطلق رئيس لجنة إنفاذ قرارات السعودة في جدة زيد ناصر البحيران تصريحا اعلن فيه أن اللجنة حققت سعودة وتنظيم أسواق الخضار والفواكه المركزية بمحافظة جدة بنسبة تزيد على 90% في أنشطة؛ الحراج، الدلالين، المشترين، والبسط، الى جانب سعودة الوظائف الإدارية والإشرافية والرقابية لدى الشركة المتنقلة، بالإضافة إلى جميع وظائف الحراسات الأمنية. وكانت اللجنة حثت الشباب السعودي الجاد على اغتنام الفرص الذهبية المتاحة في أسواق الخضار والفواكه، والاستفادة من الدعم المقدم لهم، من خلال دخول البسطة في سوق العمل، ومزاولة نشاط التجارة في الخضار والفواكه، لاسيما أن دخل المبسط الواحد يراوح بين (300 500) ريال مقابل نحو 8 ساعات عمل في اليوم الواحد. لا مجال للعيب في مدخل حلقة الخضار من الجهة الغربية الشاب معوض عايض حميد يقف أمام المبسط الذي يعمل فيه، وفي البسطة اشكال وألوان من اطيب الخضار والفاكهة.. ما إن عرف هوية «عكاظ» حتى سعد بذلك وأطلق العنان للحديث: ليس هناك ما يمنع من تجارة الخضار والفواكه كي ننفض عن عقولنا ثقافة العيب التي سيطرت على المجتمع لعقود طويلة، البعض كانوا يظنون انها من الوظائف الدنيا وبعد دخولي لعالم البيع والشراء في الحلقة عرفت أنها لا تمت بصلة للوظائف الدنيا، فتأكدت من المقولة الشهيرة أن تسعة أعشار الرزق في التجارة. ويسهب معوض في حديثه فيقول إنه قبل أربعة أعوام من الآن دخل الحلقة على استحياء وقلة خبرة «لم أكن أعرف كثيرا في البيع والشراء خصوصا بين عدد العمالة الكثيرة في الحلقة، فبدأت تدريجيا في العمل بالاجرة في إحدى البسطات لم أتحمس حينها في الدخول للحراج الذي يقام بعد صلاة الفجر، وكانت البضاعة تصلني من العامل إلى المبسط وأنا أتولى بيعها نظير الاجرة التي أتقاضاها في نهاية النهار، وبعد أن اكتسبت بعض الخبرة في البيع والشراء شعرت بالدافع القوي لدخول السوق والحراج ولكن قلة ذات اليد منعتني في حينها». ويردف معوض انه كان يذهب للحراج الذي يبدأ بعد صلاة الفجر منصتا في البداية، وفي وقت قصير عرف اسرار الحراج وثقافته وتوغل فيها حتى اصبح تاجرا يشار اليه بالبنان وموردا كبيرا. باب مفتوح للجميع على الجانب الآخر من السوق التقت «عكاظ الأسبوعية» بالشاب حمد الرشيدي الذي لم يجد فرصة للحديث كثيرا نظرا لكثرة الزبائن على مبسطه، فقال إن الرزق أصبح في البيع والشراء، وإنه اختار حلقة الخضار نظرا لنشاط الحركة التجارية ولأنها لا تحتاج لكثير من رأس المال. ويضيف حمد أن انطلاقته في الحلقة أتت بعد خبرة في هذا المجال حيث عمل في حلقات خضار الرياض وبعض المدن. وقال إن المجال مفتوح أمام سواعد الشباب السعودي للدخول في الحلقة، مطالبا في الوقت ذاته بضرب ثقافة العيب عرض الحائط، حيث إن الآباء قديما كانوا يعملون فيها وفي كل المهن الشريفة.