لم يكن لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ب«36» سفيرا معتمدا جديدا في المملكة لقاء بروتوكوليا عاديا مساء يوم الجمعة الماضي.. وإنما اكتسب طابعا مختلفا هذه المرة.. وجه من خلاله «الملك» رسالة قوية إلى كل زعماء وقادة العالم وشعوبه مفادها: الحقوا أوطانكم قبل أن يصل إليكم إرهاب داعش والنصرة والإخوان المسلمين والقاعدة وبوكوحرام وحركة الشباب الصومالية.. بعد أن توفر لهم الدعم الكافي من قبل أطراف إقليمية ودولية.. لن تستثنيها في النهاية أخطاره بكل تأكيد.. •• لقد قال الملك للسفراء بكل وضوح: ■ أرجوكم إبلاغ زعمائكم بهذه الرسالة حرفيا. ■ إن الإرهاب يعمل وسوف يعمل على الوصول إلى أوروبا وأمريكا في وقت قريب (ولن يقتصر على منطقة الشرق الأوسط). ■ الأمر يتطلب استخدام القوة والعقل والسرعة في مواجهة هذا الخطر الداهم. ■ إن إهمال ما يحدث أو التراخي أمامه رغم فظاعته يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان. ■ أوصي زعماء العالم بدعم المركز الدولي لمكافحة الإرهاب بعد أن دعمته المملكة ماديا لكي يؤدي دوره على أكمل وجه. ■ إنه لا يجوز أبدا استمرار سياسة الصمت وعدم التحرك بمواجهة هذا الخطر الداهم وعلى جميع المستويات. •• هذه اللغة القوية تؤكد عدة أمور هامة هي: ■ أولا: إن المملكة العربية السعودية تملك معلومات أكيدة حول طبيعة ما يدبر للمنطقة في الفترة القادمة.. وإن الوقت ليس في صالح الجميع.. وإن ضرب الإرهاب في العمق بهدف استئصاله بات ضرورة غير قابلة للانتظار أو التأجيل.. ■ ثانيا: إن تفوق قوى الشر وتحقيقها بعض الإنجازات على الأرض.. يفرض الالتفات والتعامل بقوة وبحكمة وبسرعة مع الدول التي تقف وراء موجات الإرهاب الجديد.. لإيقافها عند حدها قبل فوات الأوان.. وذلك باتخاذ التدابير الرادعة والكافية والفورية ضدها في أسرع وقت ممكن. ■ ثالثا: إن الإرهاب لن يقتصر وجوده على منطقة الشرق الأوسط وإنما سوف يتمدد لكي يصل إلى كل مكان في هذا العالم خلال فترة وجيزة وذلك يستدعي تحركا دوليا فاعلا بعد أن مكن له التردد الدولي في الانتشار والتمدد.. للعصف بدوله ومجتمعاته ومكتسبات شعوبه. ■ رابعا: إن مصالح كافة دول العالم وشعوبه مهددة بأخطار حقيقية إذا هي تأخرت في التعامل مع الإرهاب بقوة.. لتأمين مصادر حياتها ومستقبل أجيالها.. وتضامنت معنا بصورة جادة في القضاء عليه واستئصاله من الجذور.. ■ أولويات الأسد الجديدة: •• ولقد أخذ الملك في خطابه هذا على بعض دول العالم ترددها في اتخاذ إجراءات قوية وحازمة مما أدى إلى استفحال شأفة الإرهاب وسرعة تمدده في أكثر من اتجاه. وما حدث في التعاطي مع الوضع السوري.. أدى الى تفاقم خطر الإرهاب في الوقت الذي أدى إلى قهر إرادة الشعب السوري واستمرار نظام الأسد لفترة إضافية أخرى.. وبدلا من أن يعالج الأسد أخطاءه في الفترة السابقة فإنه بدأ العمل كأولوية مطلقة على تصدير الإرهاب إلى دول المنطقة وبالذات إلى الدول والمجتمعات التي وقفت إلى جانب الشعب السوري وناصرته وما تزال تناصره ضد طغيان هذا النظام. •• فعل هذا الأسد من باب الانتقام من خصومه.. وبذلك أصبح أداة جديدة في يد إيران لفرض التغيير الذي تريده في المنطقة.. وذلك يتفق في نهاية الأمر مع المخطط الرئيسي الموضوع لمستقبل المنطقة وعلى حساب كياناتها السياسية المستقلة ومكتسبات شعوبها واستحقاقاتهم.. •• كما يفعله أيضا من باب تصفية حساباته من كل معارضيه في الداخل السوري وفي خارجه لأنه يدرك أن بقاءه لن يكون طويلا.. وبالتالي فإن عليه أن يجهز على الجميع في أسرع وقت ممكن.. •• وإذا أراد المجتمع الدولي أن يفرض إرادته.. فإن عليه أن يصحح أخطاء المرحلة السابقة.. ويعزم أمره ويتخذ من خلال المنظمة الدولية قرارات هامة وفقا لمنظومة البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يجيز استخدام القوة ضد كل مهددات الأمن والاستقرار والسلام في العالم.. •• وبما أن النظام السوري يحتضن الآن مجموعة من المنظمات الإرهابية امتدادا لسياسات اعتاد عليها في تجميع كافة المنظمات الإرهابية على أرضه وتعهدها بالرعاية والتخطيط والتدريب لسنوات طويلة.. لابتزاز دول المنطقة في الماضي.. وتهديد كافة دول العالم بعد اليوم.. فإن القضاء على الإرهاب في المنطقة وحماية العالم من شروره يقتضي استخدام القوة العسكرية الضاربة ليس لإسقاط نظام الأسد فحسب وإنما ليطهر الأراضي السورية من كل التنظيمات الإرهابية الحاقدة على الإنسانية.. وذلك من خلال التحالف الدولي الجديد الذي لا يجب أن يتأخر تكوينه كسبا للوقت.. وتجنبا لمأزق الفيتو الذي عطل ويعطل كل المشاريع البناءة للحفاظ على سلام العالم وأمنه.. بمعارضة من بعض دوله وفقا لحساباتها وتقديراتها ومصالحها الخاصة.. •• إذا تحقق هذا خلال وقت قصير جدا.. فإن الوضع في العراق سوف يصبح أفضل مما هو عليه الآن.. كما أن الخطر على لبنان سيتم احتواؤه.. ولن يتعرض الأردن.. أو دول الخليج العربي أو أي دولة عربية أخرى لأي ضرر خطط له ويخطط أعداء شعوب المنطقة من داخل الإقليم وخارجه.. وفي ذلك بكل تأكيد مصلحة حقيقية لكافة دول العالم.. لأن أي ضربات إرهابية محتملة في أي مكان آخر ستؤدي بالضرورة إلى شل اقتصادات العالم وربما انهيارها.. وفي ذلك تفريط لا يجب أن نسمح به.. أو نتراخى أمامه.. •• وإذا دمرت البنية الاقتصادية لهذا العالم.. فإن الإرهاب يكون قد حقق أعظم إنجازاته.. وألغى بذلك مصادر القوة الأخرى لدى دوله الكبرى قبل الصغرى بما فيها قوته العسكرية ومنجزاته الحضارية الضخمة.. •• ولا ندري ما الذي تنتظره دولة كبيرة كالولاياتالمتحدةالأمريكية.. ومعها دول مجلس الأمن دائمة العضوية (روسيا/ الصين/ فرنسا/ بريطانيا) وهي تشهد تزايد وطأة الأنشطة الإرهابية في المنطقة.. وتعرف مصادر تمويلها وإمدادها بالعتاد والسلاح وبالعمل الاستخباري الموسع وبالخطط التدميرية الكافية للوصول إلى جميع دول العالم.. دولة بعد أخرى؟ •• لا ندري.. ما الذي تنتظره هذه الدول وغيرها من سائر دول العالم.. إذا كان الخطر يتحرك بسرعة كبيرة وفي كل اتجاه. ■ خطط المواجهة المطلوبة •• لذلك نقول: •• إن خطاب خادم الحرمين الشريفين الموجه لزعماء العالم وقادته جاء بمثابة إنذار أخير.. حتى تتحرك دوله في الاتجاه الذي يكفل سلامة الجميع.. ويضمن تحقيق المؤتمر الدولي المزمع عقده خطوات عملية حاسمة.. وحازمة.. وسريعة.. ومباشرة. وكافية للإجهاز على الإرهاب.. بكل أشكاله وصنوفه وأدواته ومصادر تمويله ودعمه. •• وفي هذا الصدد فإن من المنتظر: (1) أن ينعقد المؤتمر الدولي الجاري التحضير له في موعد أقصاه منتصف شهر سبتمبر الجاري كتجديد الصيغة المثلى للتعامل مع هذا الخطر.. بما في ذلك تكوين تحالف دولي قوي يباشر مهامه الفورية تحت مظلة الأممالمتحدة على أعلى المستويات. (2) أن ترفع دول العالم كافة وفي مقدمتها دول التحالف حالة التأهب القصوى في داخلها لمواجهة هذا الخطر دون تردد.. وذلك ما فعلته المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى وبريطانيا حتى الآن.. وينتظر أن تفعله الدول الأخرى بالرغم من إعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية بأنها ما تزال تدرس هذا الأمر حتى الآن. (3) أن تتخذ الدول العربية (أولا) وكافة دول العالم إجراءات داخلية صارمة.. لتنظيف مجتمعاتها من أي مظهر من مظاهر التعاطف مع قوى الإرهاب.. وذلك بفرض عقوبات قصوى على كل من تثبت إدانتهم بالانتماء إلى قوى الشر.. أو التعاون معها أو الدعم لها أو تأليب الشباب على الالتحاق بها.. تحقيقا للسلامة بداخل الأوطان بصورة كاملة. (4) توفير الدعم المادي الكافي للدول المتضررة من خطر الإرهاب وتداعياته في المنطقة وخارجها vلمساعدتها على الصمود.. والتعافي.. وضمان مساهمتها بصورة فعالة في دعم الجهود الدولية الرادعة المزمع اتخاذها. (5) تفهم الشعوب للحالة الراهنة وتقبلها لأي إجراءات صارمة قد تترتب عليها بعض المعاناة.. وصولا إلى الهدف النهائي الرامي إلى حمايتها من أعمال الإبادة والقتل والتدمير التي تمارسها تلك التنظيمات الحاقدة على الإنسانية. (6) تفهم وتعاون وتجاوب السلطات التشريعية في دول المنطقة والعالم للإجراءات الحازمة التي سيتخذها التحالف الدولي ضد مصادر الخطر على سلام العالم ومكتسبات شعوبه.. وذلك بدعم الإجراءات المتفقة مع ميثاق الأممالمتحدة في حفظ السلام والأمن في هذا العالم. (7) تحمل كل دولة من دول العالم للتكلفة العالية لهذه المواجهة مع الإرهاب.. وهي وإن كانت مرتفعة.. إلا أنها تظل أقل بكثير من تكلفة الصمت على الإرهاب وتمكينه من تدمير دولنا والقضاء على مكتسابتنا.. وفرض واقع دموي على المنطقة والعالم يتعارض وجوده مع أبسط الحقوق الإنسانية في العيش بسلام.. والاستقرار داخل الأوطان.. ■ تحركات المملكة في كل اتجاه •• والمملكة العربية السعودية التي علقت الجرس بقوة هذه المرة لتسمعه كافة دول العالم وشعوبه.. لم تكتف فقط بالتحذير من مغبة الأخطار المترتبة على صمت العالم وتراخيه في اتخاذ خطوات عملية رادعة.. بل اتخذت عدة خطوات جادة في هذا الاتجاه.. نذكر منها: (1) التحرك السريع والقوي والفعال باتجاه دول العالم كافة.. لإبلاغ رسالة الملك إلى كل القادة مباشرة.. وتأتي زيارة سمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز الحالية لفرنسا في هذا الاتجاه.. ومن المتوقع أن يتبعها تحرك لوفود سعودية على أعلى المستويات للاتصال بكافة دول العالم بدءا بدول مجلس الأمن دائمة العضوية. (2) عملت على تأمين منطقة الخليج من الداخل بالتعاون مع الدول الخليجية الأخرى.. عبر أكثر من صيغة يجري الإعلان عن بعضها خلال الأيام القادمة.. وتظل الإجراءات الأخرى بعهدة الأجهزة ذات العلاقة وتحت مسؤوليتها وإشراف القادة عليها. (3) التواصل الوثيق مع عواصم عربية مؤثرة.. للعمل معا على درء الخطر عن دول المنطقة.. ورسم الخطوط العريضة للتعامل معه بالشكل وبالصورة وبالقوة المناسبة والكافية. (4) رفع مستوى التأهب إلى الدرجة المطلوبة لمواجهة كافة الاحتمالات بالكفاءة المطلوبة منعا لأي اختراق من أي نوع أو من أي جهة كانت. (5) تابعت وتتابع الجهود الحثيثة لعقد المؤتمر الدولي المخصص لمواجهة الإرهاب بشتى السبل.. وقدمت وتقدم كل الدعم المطلوب لإنجاحه وتسريع نتائجه دون تأخير. (6) قدمت الدعم المالي الكافي لتفعيل دور المركز الدولي لمكافحة الإرهاب برعاية الأممالمتحدة وتمكينه من تحقيق الأهداف التي اقترحتها المملكة عند الدعوة إلى تأسيسه.. •• وسواء عقد المؤتمر الدولي الجاري التحضير له في نيويورك أو في الرياض.. فإن الأهم من ذلك هو.. الاستعجال في عقده وخروجه بنتائج محددة.. واختصار الوقت بالتفاف أكبر عدد ممكن من دول العالم وتكاتفها في التصدي لهذه المسؤولية الكبيرة كأولوية مطلقة وغير قابلة للتأجيل. •• بقي أن نقول.. •• إن مشاركة الدول الداعمة للإرهاب في هذا المؤتمر.. مسألة يجب حسمها مبكرا.. وذلك بالاتفاق على إبعادها.. وإذا رؤي مشاركتها فإن ذلك سوف يتوقف على مدى حصول دول العالم على ضمانات مؤكدة لتخليها عن دعم الإرهاب ومساهمتها في ضرب مراكزه والقضاء عليه.. وإن كنت أشك شخصيا في إمكانية التوصل مع هذه الدول الضالعة في استخدام الإرهاب إلى اتفاق من هذا النوع.. لأن كافة خططها وأجنداتها بل وفلسفة أنظمتها قائمة في الأساس على تبني الإرهاب ودعمه واستخدامه لتحقيق تلك الاستراتيجيات وتحقيق المكاسب من ورائه ولذلك فإن فكرة إقصائها تبدو منطقية.. وعملية.. حتى وإن اعترضت عليها بعض الدول الحليفة لتلك الأطراف.. خوفا من أن تطالها نفس العقوبات وبدرجات متفاوتة أيضا.. ■ نظرة الشعوب لدعوة الملك: •• والمهم الآن هو: •• أن تجد كلمات خادم الحرمين الشريفين طريقها إلى عقول وقلوب صناع القرار في كافة دول العالم.. أما الشعوب فإنها استقبلت الرسالة وتفهمت مضامينها.. لأنها تثق في الرجل الذي أطلقها.. وتثق في حكمته.. وبعد نظره.. وحرصه على أن تظل حياتها بمأمن من الخوف ومستقبل أجيالها بمنأى عن الضياع الذي استهدفه الإرهاب بصورة مباشرة وغير مسبوقة.