ربما تكون اللوحة الأشهر في متحف اللوفر، وربما تكون رؤيتها لأول مرة صدمة للمتلقي فأبعادها في مخيلاتنا أكبر بكثير من أبعادها الهندسية الصغيرة نسبيا (77 سم x 53 سم ) ولكنها حافظت على قيمتها وغموضها طوال القرون كأيقونة فنية متكاملة. إنها الموناليزا أو الجوكندا ذات الإنيجما والابتسامة الغامضة التي خلدتها في تاريخ الفن، والأعين السحرية التي يقال إنها تتبع الناظر إليها من مختلف الزوايا. ولكن يبدو أن الغموض ليس فقط في ابتسامتها، ولكن في هويتها. نعرف أن فنان عصر النهضة الشهر ليوناردو دافينشي رسمها بين1500 1506 ولكن بقيت هويتها محل شك. قال البعض: إن اللوحة تمثل سالاي معاون دافنشي ولكن بملابس امرأة، وقال البعض: إنها مجرد موديل لامراة سوقية وجدها دافنشي فأعجبه شكلها، ويقال إن دافنشي رسم نفسه في ملامح اللوحة ولكن القصة الأشهر تؤكد أنها ليزا جيرارديني، امراة من نبلاء فلورنسا متزوجة من تاجر الحرير فرانسيسكو ديل جيوكوندو ولذا عرفت ب (لا جوكندا) أيضا. وبقي هذا التفسير الأشهر طوال سنوات. والمونا لقب احترام يماثل ليدي بالإنجليزية. و ليزا جيرارديني من عائلة ارستقراطية فقدت ثروتها مع الزمن ولكنها بقيت في سعة من العيش. تزوجت زوجها الثري وهي في الخامسة عشرة من عمرها وأنجبت خمسة أبناء وعاشت حياة مرفهة مثل نبيلات عصر النهضة وهي زوجة وفية أحبها زوجها وأكرمها في وصيته وأوصى أبناءها بها. هذا مايقوله التاريخ. وفي الحياة الحقيقية ومؤخرا في يوليو 2013، احتفل فريق من الأركيولوجيين (علماء الآثار) باكتشاف مقبرة في دير سانت أورسولا في فلورنسا احتوت على بقايا بشرية كاملة لمن يعتقدون بشدة أنها الموناليزا الأصلية، وكان الحافز للبحث هو العثور على وثائق تاريخية تؤكد بأن ليزا جيرارديني عاشت في هذا الدير أواخر حياتها في رعاية ابنتيها الراهبتين ودفنت هناك. الأركيولوجيون متحمسون وسيتأكدون من عمر البقايا بواسطة تكنيك الكربون 14 ومعرفة سن المرأة حين توفيت لأن جيرارديني توفيت بعمر 62 أو 63 وبعد ذلك سوف يحاول العلماء إعادة تركيب معالم وجهها على الكمبيوتر لرؤية التطابق بين الجسد واللوحة. ولكن الدليل القاطع يبقى تحليل (الدي إن إيه) لرؤية تطابق جينات البقايا مع جينات أبنائها الموجودة والمحفوظة في أرشيفات الأركيولوجيين. ولو ثبت هذا الشيء كما يقول رئيس الفريق الأركيولوجي سيلفانو فينشيتي وهو متخصص في حل الطلاسم الفنية فسوف يكون اكتشاف العهد. ولكن قبل ذلك بفترة نشرت الصحف العالمية نتائج تشير إلى نظرية مختلفة تماما. فتقترح نتائج بحث لمؤرخين فنيين استمرت لعشر سنوات أن اللوحة ليست لليزا جيرارديني ولكن لامراة أخرى من النبلاء تدعى كاترينا سيفورزا وهي دوقة فورلي وإيمولا والابنة غير الشرعية لجاليازو سيفورزا دوق ميلانو ولتأكيد هذا الادعاء قامت ماجدلينا سويست إحدى مؤرخات الفن بمقارنة صوره كاترينا سيفورزا الشخصية التي رسمها الفنان لورينزو دي كريدي في 1487 ووجدت أنها تحمل تشابها مثيرا وكبيرا للوجه المبتسم في اللوحة الشهيره. قامت (بيلد زايتونج) إحدى الصحف الألمانية بعمل مونتاج للوحتين لتدقيق التشابه ففي لوحة لورينزو دي كريدي كانت سيفورزا في الخامسة والعشرين بينما في لوحة دافنشي فهي في الأربعين، ومع ذلك فقد كان التشابه بين اللوحتين كبيرا. بدأ التنقيب عن تاريخ هذه المرأة ووجد الباحثون أنها كانت ذات جمال وهيمنة وكانت تدعى النمرة لقوة شخصيتها في البلاط في ميلانو، تزوجت ثلاث مرات ولها أحد عشر طفلا وكانت ذات طموحات سياسية وعسكرية وهي سليلة أسرة حربية عريقة فقد كانت تحث زوجها الأول على غزو القلاع للتوسع السياسي في روما، بل وحاولت أن تسمم البابا الكساندر السادس لمد نفوذها السياسي، وسجنها آل بورجا ذوي النفوذ السياسي وقتها وماتت في 1509 ولها ستة وأربعون عاما. كانت شخصية مثيرة تحب الفن والموسيقى والصيد وتهوى علم آلكيمي Alchemy الذي يدرس إمكانية تحويل المعادن إلى ذهب، والبحث عن حجر الفلاسفة، وتركيب أكسير الحياة، وفي نهاية حياتها اعتزلت العالم وأصبحت راهبة وقالت «لو كتبت قصة حياتي فسوف أدهش العالم». وسواء كانت اللوحة لليزا جيرارديني أو لكاترينا سيفورزا فستبقى اللوحة الأشهر والأكثر غموضا وزيارة وتقليدا في تاريخ الفن.