فاتنة الجمال.. يحفها الغموض وتسكنها الأسرار، تكالب عليها الدارسون ومات دونها الباحثون لكنها بقيت صامتة في وجه سيل التساؤلات لا تفشي سرا ولا تنبئ خبرا. إنها "الجيوكندا" أو الموناليزا.. التي على الرغم من ضآلة حجمها بالنسبة لجداريات دافنشي العظيمة، إلا أنها خبأت خلف ابتسامتها الشاحبة، ليس فقط جمال الطبيعة خلفها، بل واختزلت إبداعات دافنشي ونظرياته في مجالات كثيرة.. كل ذلك في إطار لوحة ارتفاعه 30 إنشا وعرضه 21 إنشا. ليوناردو دافنشي فاتح بوابات النهضة الأوروبية، الرسام والنحات والمعماري الهندسي، صاحب نظريات علم التشريح والفيزياء والبصريات ومؤسس الكثير من مبادئ العلوم الحديثة في وقتنا الحاضر. كل هذا اضمحل تماما وراء ابتسامة الجيوكندا الغامضة التي أصابت صاحبها كلعنة من نار أحرقت كل ما أنجزه على مر السنين وبقيت وحدها الناجية الوحيدة في قلوب الجماهير. وحينما التحق دافنشي بخدمة دوق ميلانو وكانت له الحظوة في البلاط لم يكن ذلك لمهارته في نحت التماثيل ورسم الجداريات فقط؛ إنما أيضا لمهارته في تصميم الجسور وصنع قاذفات القنابل والسفن الحربية، إضافة لابتكاراته المتعددة لطرق نقل مياه الأنهار للمناطق النائية. وعندما اشتعلت حرب فلورنسا التي خلد دافنشي نصرها في لوحة معركة انغياري كان الجنود الفرنسيون يستخدمون تمثال سفورزا الذي أبدعه دافنشي كهدف لتمارين رمي السهام في صوره لامتهان ومقاومة الفنون والنهضة. وهي معركة متجددة ما تزال رحاها تدور في كل الأقطار على مر الأزمان وبذات الحدة ولا يختلف في تفاصيلها سوى إطار الحكاية وملامح الشعوب. إن اختزال أعمال ليوناردو دافنشي وإبداعاته ونظرياته العلمية في ملامح الموناليزا.. هو اختزال لعصر النهضة بكليته في وجه فتاة شاحبة تبتسم بغموض بارد. دافنشي رسم لوحته الموناليزا.. أو السيدة ليزا بإيعاز من صديقه الفلورنسي فرانسيسكو جيوكوندو، الذي طلب من دافنشي أن يرسم لوحة تجسد صورة زوجته الحزينة التي دفنت قلبها مع حبيبها المتوفى، وتزوجت من فرانسيسكو بلا قلب؛ ويقال إن هذا هو سر النظرة الحزينة للجيوكندا (الموناليزا)، لتثير اللوحة تساؤلات عدة وأسرارا لا تحصى كما هي أعمال دافنشي دائما. *كاتبة سعودية