السجادة الخضراء الداكنة في المنزل. والمخرج المتملق، مهني، يعاني من الأكزيما، وكاحلين متورمين، يمر على قائمة التكاليف، و كأنني كنت أشتري مجموعة من أثاث غرف النوم بالدين. سلمني ظرفا يحوي الخاتم الذي كان يرتديه أبي عندما مات. بتراخ أضع الخاتم في إصبعي و أزيله بينما كانت المحادثة تأخذ بالرتابة، لاحظت أن الجزء السفلي من حجر الخاتم كان ملطخا ببقايا مزلق صابوني. مرت عدة لحظات قبل أن أجد العلاقة، ثم صار الأمر واضحا على نحو عبثي: أستخدم هذا الغسول لإزلة الخاتم من إصبعه. حاولت أن أتصور الشخص الذي كانت مثل هذه الأمور هي عمله. لم أكن خائفا بقدر ما كنت مفتونا. أتذكر أنني قلت لنفسي: لقد دخلت عالم الحقائق، مملكة التفاصيل الغاشمة. كان الخاتم ذهبيا، بقاعدة سوداء. استمر مخرج الجنازة في حديثه حول كيف أنه عرف والدي «في الأيام الخوالي،» معطيا طابعا حميميا و نوعا من الصداقة كنت متأكدا أنها لم توجد أبدا. و بينما كنت أعطيه معلومات كي يمررها للصحافة من أجل النعي، استبق ملاحظاتي بمعلومات خاطئة، مسرعا عني للأمام كي يثبت كيف كان مقربا جدا من والدي. في كل مرة يحدث هذا، أتوقف و أصحح له. في اليوم التالي، عندما ظهر النعي في الصحف، الكثير من تلك الأخطاء كانت مطبوعة. قبل ثلاثة أيام من وفاته، ابتاع أبي سيارة جديدة. قادها مرة واحدة، ربما مرتاين، وعندما عدت لمنزله بعد الجنازة، وجدتها تجلس في الكراج، و بالفعل ميتة، كمخلوق ضخم مجهض. لاحقا في نفس ذاك اليوم، ذهبت للكراج للحظة أختلي فيها بنفسي. جلست خلف مقود السيارة هذه، أستنشق الصناعة الغريبة فيها. القراءة في مقياس المسافات كان ستة و سبعين ميلا. و حدث أن أبي كان في عمر السادسة و السبعين. ذلك الإيجاز أمرضني. و كأن تلك القراءة كانت للمسافة بين الحياة و الموت. رحلة قصيرة، بالكاد أطول من القيادة للمدينة المجاورة. ندم أمضى: لم أحصل على فرصة لرؤيته بعد موته. دون اهتمام، افترضت أن التابوت سيكون مفتوحا خلال مراسم الجنازة، و حينها، عندما لم يكن مفتوحا، كان الوقت متأخرا لفعل أي شيء إزاء ذلك. عدم رؤيتي له ميتا حرمني من عذاب لكنت قد رحبت به. ما كان الأمر و كأن موته ليس حقيقيا تماما، و لكن الآن، كلما أردت رؤية ذلك، كلما أردت لمس حقيقة ما حدث، لابد لي من الانشغال بالتخيل. لا شيء هناك لأتذكره. لا شيء سوى شكل من الفراغ. عندما كشف عن القبر لإنزال التابوت، تبينت جذرا برتقاليا غليظا مندفعا في الحفرة. كان له بشكل غريب تأثير مهدئ علي. للحظة لم تكن الحقيقة الصرفة للموت قادرة على الاختباء خلف الكلمات و طقوس المراسم لوقت أطول. هنا كانت: دون وساطة، بلا زينة، من المستحيل أن أشيح بعيني بعيدا عنها. كان أبي ينزل في الأرض، و مع الوقت، بينما يتفكك التابوت، سيساعد جسده في تغذية ذاك الجذر الذي رأيته. أكثر من أي شيء قيل أو فعل ذاك اليوم، هذا ما كان له معنى بالنسبة لي. القس الذي رتب مراسم العزاء كان الرجل نفسه الذي ترأس حفل بلوغي قبل تسعة عشر عاما. في المرة الأخيرة التي رأيته فيها كان رجلا صغيرا حليق الوجه. أسن الآن، بلحية رمادية كاملة. لم يكن يعرف أبي، في الحقيقة لم يعرف شيئا عنه، و قبل نصف ساعة من بداية المراسم جلست معه و أخبرته بما عليه قوله في التأبين. أخذ ملاحظات في قصاصات صغيرة من الورق. عندما حل الوقت ليلقي كلمته، تحدث بمشاعر طاغية. الموضوع كان رجلا لم يعرفه قط، و رغم ذلك أعطى انطباعا أنه يتكلم من قلبه. أستطيع سماع بكاء امرأة خلفي. كان يحذو ما أخبرته كلمة بكلمة. يخطر على بالي أنني بدأت بكتابة هذه القصة قبل وقت طويل، في زمن يسبق وفاة أبي. ليلة بعد ليلة، أستلقي مستيقظا على الفراش، عيناي مفتوحتان في العتمة. استحالة النوم، استحالة عدم التفكير في أمر موته. أجد نفسي أتعرق بين الشراشف، محاولا تصور ماهو شعور أن تصاب بنوبة قلبية. الأدرينالين يضخ في، مثقل رأسي، و يبدو أن جسدي كله يتقلص في المساحة الصغيرة خلف صدري. هناك حاجة للخوض في رعب مماثل، نفس الألم المميت. السيد المهذب في الجنازة كان عمي الكبير، سامويل أوستر، و هو الآن في التسعين من عمره تقريبا. طويل، بلا شعر، عالي النبرة بصوت خشن. ولا كلمة عن أحداث 1919، و لم أكن أملك قلبا لأسأله. اعتنيت بسام عندما كان طفلا صغيرا، قال. لكن هذا كل شيء. عندما سئل ما إذا كان يريد شيئا ليشربه، طلب كأسا من الماء الدافئ. ليمون؟ لا شكرا، ماء دافئ فقط. بلانكوت مرة أخرى: « لكن لم يعد بمستطاعي التكلم بها». من البيت: مستندات من مقاطعة كلير في ولاية ألباما تعلن بشكل نهائي طلاق والدي. التوقيع في الأسفل: آن مع الحب. من البيت: ساعة يد، القليل من قمصانه، سترة، ساعة تنبيه، ستة مضارب تنس، و سيارة بيوك صدئة بالكاد تسير. مجموعة من الأطباق، طاولة قهوة، ثلاثة أو أربعة مصابيح. تمثال لجوني وولكر في غرفة البار، صار لداني. ألبوم الفوتوغرافات الفارغ، هذه هي حياتنا: الأوسترز. ظننت في البداية أنه سيكون أمرا مريحا التعلق بهذه الأشياء، كأنها ستبقي على تذكيري بأبي مما يجعله حاضرا في ذهني و أنا أخوض حياتي. لكن الأشياء، على ما يبدو، ليست شيئا سوى أشياء. اعتدت عليها الآن، بدأت بالظن أنها تعود إلي. أقرأ الوقت بساعته، أرتدي قمصانه، أجول بسيارته. و لكن ذاك كله وهم من صنع الحنين لا أكثر. لقد استوليت بالفعل على تلك الأشياء. غاب أبي عنها، صار غير مرئي مجددا. و قريبا أو بعيدا ستنهار، ستفكك قطعا، و يجب رميها بعيدا. لا ريبة في أن ذلك لن يعني شيئا. «... هنا يبدو حقا أنه وحده الذي يعمل من يحصل على الرغيف، وحده الذي في الألم من يجد الراحة، وحده الذي يتحدر للعالم السفلي من ينقذ محبوبه. الثانية بعد منتصف الليل. منفضة طافحة بالرماد، كوب قهوة فارغ، و برد أول الربيع. خيال دانيال الآن، و هو مضطجع في الأعلى في مهده نائما. لأنتهي من هذا. لأفكر ماذا سيصنع بهذه الأوراق عندما يكبر بما يكفي ليقرأها. و خيال جسده الصغير اللطيف الشرس، و هو مضطجع في الأعلى في مهده نائما. لأنتهي من هذا. (1979)