في اعتقادي أن السلام بين الناس سنة حسنة، وهي المفتاح بينهم للاطمئنان والتعارف. واختلفت الشعوب في طرائقها عن أسلوب السلام، وأشهرها وأفضلها هي طريقة المصافحة المتعارف عليها. وللمصافحة أيضا آدابها وأصولها، ولا يضايقني ويفرسني غير اثنين: الأول رجل مفتول العضلات أشبه ما يكون بالمصارعين، ما إن تمد له يدك حتى يتلقفها بيده الغليظة، ويشد عليها بكل ما أعطاه الله من قوة حتى تطقطق عظام أصابعك وتكاد أن تصرخ من شدة الألم، أو رجل آخر (خرع) يمد لك يده الميتة وكأنه يضع في يدك لحمة نية بدون أي حركة. هاتان المصافحتان أكرههما وأحاول أن أتحاشاهما بقدر ما استطيع. الرجل الإنجليزي بطبعه بارد، ويتمنى لو أن السلام كان بينكما مجرد (هاي)، وإذا لم تمد له أنت يدك أولا فمن الصعب أن يمد هو يده لك. أما الياباني فلطفه زائد عن الحد، لأن قوام سلامه بالدرجة الأولى هو الانحناء عدة مرات تصاحبها ابتسامة (طباشيرية) لا تعرف صدقها من كذبها. ويا ليت السلام كان مقتصرا على المصافحة فقط، ولكنه في عالمنا العربي استحدثت له أساليب متعددة (كالمناقرة بالخشوم) مثلا في الخليج، وتكون مصيبتك أفدح لو أن الذي يناقرك كان مزكوما، أو أن منخاره كان أطول من اللازم، وقد يخطئ منخاره ويدخل في فمك والعياذ بالله. وعلى ذكر السلام، فسبق لي أن كنت في رحلة للقصيم برفقة صديق من (أولاد الحارة)، وعزمنا أحدهم في بيت من الشعر منصوب في الصحراء خارج مدينة بريدة. ودخل علينا رجل محترم من بادية أهل الشمال، وعندما وقفت ومددت له يدي مصافحا أخذها وهو يضغط عليها ضغطات خفيفة متواصلة قائلا: كيف الحال، وشلونك، وشلون العيال، وشلون الحمولة، وشلون اللي جيت منهم، أخذ يرددها عشرات المرات دون أن يطلق يدي أو ينتظر مني حتى الإجابة، مع استمراره بالضغطات المتواصلة، وعذرته لأنني أعرف أن هذه هي طريقتهم. وبعدها استلم يد صديقي وفعل ما فعله معي، وبعد أن انتهى أسر صديقي بأذني يسألني بتعجب: اش فيه هادا هو (مبسبس)؟! ومن أغرب السلامات هو أن (الهندوسي) إذا التقى أحدهم بمن هو أرفع شأن منه ارتمى على الأرض. وفي (بورما) يشمشم كل منهما الآخر، في جميع أنحاء جسده. وسكان أستراليا الأصليون، إذا التقى صديق بصديقه يخرج له لسانه ترحيبا. ولو سألني أحدكم عن ماهية السلام التي تعجبني لقلت له: إنها طريقة إخواننا أهل السودان الشقيق، فكل واحد منهما يضع يده على كتف الآخر بكل لطف قائلا: إزيكم، كيف إنكم، أنا لي زمان ما شفتكم.