هو نور الدين محمود بن عماد الدين أتابك ملك الشام والموصل ومصر وكان عالما فقيها دينا خيرا متواضعا عادلا يحب أهل الدين ويكرمهم ويبرهم وكان أقرب الناس إليه العلماء والفقراء. انتصر على الغزاة الفرنجة في كثير من الوقائع لكنه قبل انتصاراته كان يتقدم إلى الله بأعمال صالحة مثل إلغاء الضرائب على الناس ومثل فرض العدل على الكبار قبل الصغار وبالتضرع إلى الله بالنصر على الأعداء الذين احتلوا بعض سواحل الشام ومنها عسقلان وعكا. وجاء في كتاب (مجمع الأحباب) الذي طبعته دار المنهاج بجدة على نفقة الشيخ عبدالكريم حريري أن المسلمين انكسروا في بعض الغزوات لكن نور الدين استمر واقفا على تل مع جمع قليل، وتوجه إلى القبلة وأخذ يدعو ربه، فظن العدو أن هذه حيلة وخافوا من وجود كمين فانسحبوا خائبين. ويقول المؤلف : إن الفرنج نزلوا على دمياط فاهتم نور الدين لذلك أشد الاهتمام ولما جاء وقت الدرس قرؤوا الحديث المتسلسل بالتبسم وطلب منه بعض السامعين أن يبتسم لتتم سلسلة الاسناد بالتبسم فامتنع من ذلك وقال إني أستحي من الله أن أتبسم والعدو محاصر للمسلمين. وفي ليلة رحيل الفرنج عن دمياط رأى الإمام الذي يصلي بنور الدين في منامه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : أعلم نور الدين أن الفرنج قد رحلوا عن دمياط في هذه الليلة . فقال له : يا سيدي يا رسول الله ربما لا يصدقني . فقال له : قل له : بعلامة ما سجدت على تل حارم . وقلت : يا رب .. انصر دينك ولا تنصر محمودا، من هو محمود الكلب حتى ينصر ؟ قال : فلما استيقظت جئت المسجد ، وكانت عادة نور الدين أنه يجيء إلى المسجد بليل يصلي إلى الصباح، قال : فتعرضت له فسألني عن خبري، فأخبرته بالمنام وذكرت له العلامة، إلا أنني لم أذكر لفظة الكلب ، فقال لي نور الدين : اذكر العلامة كلها، فذكرتها . قال : فبكى وسر بذلك سرورا عظيما، ثم إني أرخت تلك الليلة فجاء الخبر برحيل الفرنج في تلك الليلة. والله أعلم.. السطر الأخير : قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة : إني قد نظرت في سير الملوك فما رأيت فيهم من بعد عمر بن عبد العزيز رحمه الله مثل نور الدين.