يعتبر العقلاء من الناس الوظيفة العامة تكليفا وواجبا وأمانة ثقيلة ومسؤولية عظيمة محاسبون عليها أمام الله على أساس من أخذ الأجر «الراتب» حاسبه الله على العمل ولذلك تجد العقلاء وقليل ما هم يحرصون على أداء واجباتهم الوظيفية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. ولكن ليس كل الناس عقلاء وإلا لاستراح القاضي، بل إن فيهم من يعتبر الوظيفة العامة فرحة ولو كانت على فرخة، والمقصود بفرخة هنا أن فرح الموظف الخفيف العقل بالوظيفة حتى لو كانت صغيرة وغير ذات أهمية، تجعله يفقد توازنه الطبيعي ويظن أنه أصبح شيئا مذكورا فتراه يمشي في الإدارة أو الطهارة مثل الطاووس ويتحدث مع المراجعين من أنفه الشامخ عليهم، حتى يظنه بعضهم أنه مدير عام الإدارة أو أنه أحد أهم رجالها المتصرفين النافذين فيها فإذا تقرب إليه مراجع ثم عرف أنه مجرد موظف هامشي، صدح المراجع بالمثل الشعبي القائل: «الحكم فرحة وعلى فرخة»!. وهذا النوع من الموظفين لو كانت نفخته مقابل إنجاز يقوم به في عمله، لقبل المراجعون منه اختياله ولو على مضض، ولكن «الديك الصغير» لا يهمه العمل أو الإنتاج وإنما كل الذي يهمه هو أن يصفق بجناحيه للداخل والخارج، معلنا عن نفسه أنه موجود وأنه مهم حتى يلفت الأنظار نحوه فإن حاول مراجع اختبار قدراته والاستعانة بها في إنجاز معاملة وجده «فاشوشا» ومثل هذه النماذج موجودة بكثرة في الإدارة العامة وعلى مستويات مختلفة مع العلم أن الفرح بالوظيفة والصلاحيات والمسؤوليات لا تقتصر على صغار الموظفين، بل قد تتجاوزهم إلى موظفين يحتلون وظائف مهمة ولكن إعجابهم بأنفسهم وفرحهم بأنهم كانوا فأصبحوا!، تجعلهم يتخلقون بأخلاق الصغار ويكتفون من الوظيفة ببهرجها وسمعتها وحاجة المجتمع لمن يحتلها، وبدل أن يؤدوا واجبهم نحو تلك الوظيفة فإنهم يضيعون الأمانة ويستغلون موقعهم في الكبر على الناس «ومرمطتهم» حتى يؤتوا الرشوة عن يد وهم صاغرون!؟.