من فضل الله علينا أن طائر الطاووس الموسوم بالكبرياء والتعالي، لا يعيش في برارينا، ولا واحاتنا، كما أنه طائر يصعب استئناسه في حدائقنا الخاصة وبساتيننا. لو قُدّر لهذا الطائر المغرور أن يشاركنا الحياة؛ لأصبح همّنا همّين: همّ تعاليه وتكبّره على مَن حوله من الطيور، وهمّ تكبر وتعالي بعض مديري العموم في بعض الإدارات، وبعض مديري إدارات القطاع الخاص على مَن دونهم من الموظفين، وعلى المراجعين! قد نتفق جميعنا على كره الكبر والتعالي على خلق الله، فقد حرّم الله الكبر على جميع الناس، قال تعالى: «ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). لتتأكد من وجود ذلك الطاووس الإداري، فما عليك أيُّها المراجع الكريم إلاَّ أن تتّجه لبعض الدوائر الخدمية، بصفتك مراجعًا. ستصدمك مفاجآت لم تكن في حسبانك، مبررها: ضعف الإلمام بمبادئ علم الإدارة، ونقص في الشخصية الإدارية. تدلف أيُّها المراجع إلى مكتب سكرتير المدير العام، فتظنه للوهلة الأولى أنه مكتب المدير، لأن علامات المنصب قد أحاطت به إحاطة السوار بالمعصم. قد يتكرم السكرتير ويرد عليك السلام، وقد لا يفعل، فهو في شغل شاغل عنك. من هذه البداية ستكتشف أن هذا السكرتير الطاووس قد كرّس جهده حول ذاته المريضة بداء العظمة، وكأنه لم يوضع في هذا المكان إلاَّ لتنمية خيلاء نفسه. قد لا تفكر في المكوث طويلاً، وتبحث عن مخرج إلاَّ أن ذلك السكرتير لم يجب عن أسئلتك الملحّة، وطلب منك الانتظار حتى مللت منه. يأتي الفرج فيسمح السكرتير لك بالدخول. فتبادر بالسلام على سعادة المدير العام، وتمد يدك لمصافحته، فيرمقك بعينيه، ثم يرفع يده إليك بتثاقل عجيب حتى تلامس أنامله أناملك؛ ليسحب يده بعد ذلك على عجل، وكأن بيدك داءً عضالاً يخشى أنه يتلوث به!! ثم تبدأ فورًا في شرح مشكلتك، ولكن ليس على الطريقة التي خطّطت لها، بل ستعمد إلى الاختصار، وهو بالطبع اختصار لا يسهم في حل المشكلة، ولكنه سيخلصك من موقف كريه لا يحترم الكرامة الإنسانية. بسبب هذه التجربة القاسية على نفسك، أنصحك أن تغسل أدرانها، وما علق بصفاء نفسك من أكدار بماء الورد ودهن العود، وسيكون لك ذلك عندما تستلهم وتردد كلمة الملك عبدالله -يحفظه الله- تلك الكلمة التي كان ينبغي أن تدوّن بمداد من ذهب، ويهدى نسخ منها لكل مَن في قلبه ذرة من كبر، حيث قال -حفظه الله- في مؤتمر الحوار الفكري: «أنا بدونكم لا شيء، بدون الشعب السعودي أنا لا شيء، أنا فرد منكم وإليكم، وأستعين بالله، ثم بكم، وبالرجال المخلصين». من هذه الكلمة الطيبة النبراس ندرك أن إدارة أحوال الناس بالإنسانية والمحبة أجدى من إدارتهم بأهم النظم والنظريات الإدارية. عبدالكريم محمد غازي الغامدي - إدارة تعليم جدة