الحمد لله الملك الحق المبين، جعل شرعه القويم هدى ورحمة للعالمين، وجعل دينه العظيم صراطا مستقيما بين الملل والنحل، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين الذي قال الله عز وجل عنه:(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [الأنبياء: 107] (وإنك لعلى خلق عظيم) [القلم: 4] وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، ثم أما بعد: فإن دين الإسلام بغاياته ومقاصده العظمى؛ ومضامينه وكلياته الكبرى؛ دين حق، يدعو إلى العدل والرحمة والسلام، وأمته الحقة هي الأمة الوسط؛ كما قال تبارك وتعالى:( وكذلك جعلناكم أمة وسطا) [البقرة: 143]، والوسط: العدل، وأصل هذا أن احمد الاشياء أوسطها، ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا، وفي هذا تنبيه عظيم على لزوم الاعتدال والبعد عن الطرفين: (الإفراط والتفريط)، وأنه المعيار المعرب عن الحق والرشد إذا اختلفت الطرائق، ووقع اللغط والاشتباه على الخلق. وإن من نعمة الله تعالى على بلادنا؛ مهبط الوحي، ومنبع الرسالة الخالدة، ومهوى أفئدة المسلمين في شتى اصقاع المعمورة أن هيأ لها قادة مباركين، ينظرون بنور الله تعالى؛ فيدركون الحيل والمؤامرات التي تحاك ضد الإسلام ورسالته المباركة للعالمين على وجه العموم، وضد بلادنا حرسها الله من كل مكروه على وجه الخصوص، وكان من ذلك الرسالة العظيمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود يحفظه الله بخصوص تحذير الأمة الإسلامية والعالم اجمع، من خطر الإرهاب، وتعدد صوره وأشكاله ورسائله، وبيانه في ثنايا حديثه المبارك زاده الله توفيقا أن ما حدث من خروج الخوارج، واستشراف هذه النابتة برأسها على أمة الإسلام، ورفعها عقيرتها منادية بالتكفير، واستباحة الدماء والأموال والأعراض، وخوضهم في ذلك الشأن فهو من اعظم الفجور والإفساد في الأرض (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) [الانعام: 148]، فهم كما وصف الله في كتابه العزيز: (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا هم يحسبون انهم يحسنون صنعا) [الكهف:104]، فقد ضلوا الطريق، وتخبطوا في حالك الظلم والظلمات، وولغوا في الدماء، وقتلوا الابرياء، وأفسدوا (والله لا يحب المفسدين) [المائدة: 64]، وكأنهم قط ما قرأوا: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) [البقرة: 30]، ولا تلوا كلام الله: (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذٰلك في الأرض لمسرفون) [المائدة: 32]. إنهم يسفكون الدم الحرام، وكان لم يسمعوا أبدا: (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) لماذا؟ (إني اخاف الله رب العالمين)، وعقوبته: (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين) [المائدة:28 و29]. ويشهد لما ذكره رعاه الله قول الله تعالى: (ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها) [الأعراف: 56] ويدخل فيه المنع من إفساد النفوس بالقتل وبقطع الأعضاء وإتلافها، وإفساد الأموال بالغصب والسرقة ووجوه الحيل كلها، وإفساد الأديان بالكفر والبدعة. ولأنه يحفظه الله يدرك ما للعلماء من دور عظيم، وحاجة الأمة إلى علمهم ورأيهم وفقههم المستمد من الوحيين المباركين، فقد حثهم على نشر العلم الراسخ الذي يجمع أمورا ثلاثة هي: الجزم والمطابقة والثبات عند التشكيك. ويشهد لتوجيهه الكريم أيد الله قلبه ولسانه قول الله تبارك وتعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) [آل عمران: 187]، وكأنه وفقه الله يشير إلى ما قد بينه الإمام احمد بن حنبل رحمه الله ونبه عليه من دور العلماء ووظيفتهم الجليلة بقوله: «يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الاذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله تعالى اهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن اثرهم على الناس، وما اقبح اثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، واطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله تعالى، وفي الله تعالى، وفي كتاب الله تعالى بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون الجهال بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين». لهذا، فالواجب المنوط بالعلماء كبير، لعظم الآثار المترتبة عليه في الدين وفي مصالح الأمة، ومقدراتها التي تفخر بها في كل حين وآن، تطبيقا لما تقرر من أنه: (لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة)، لأن: (السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان). لقد جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين كقائد ملهم إلى أمته؛ أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، خوفا على تأثير افعال أولئك الأغرار وأقوالهم على سماحة الإسلام وعدله، وحثا للدول والأفراد لينهض كل منهم بمسؤوليته بألا يقف كالمتفرج، مذكرا بأهمية الحوار، فشخص الداء، ووصف الدواء، إذ الإرهاب مرض قاتل يستشري، فهو يدرك وفقه الله بعمق حكمته أن دولة بمفردها لا تستطيع محاربته اذا استعر، بل لابد من تعاون المجتمع الدولي بأسره ان يقف دونه ويحاربه حربا لا هوادة فيها، على كل صعيد؛ وخاصة ميدان الفكر، فجاءت فكرته بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب؛ ذلك بأن الإرهاب لا دين له، ولا عقل يكبح غلواه، فهو مهلك للإنسانية كلها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون)؛ فالملك عبدالله يرعاه الله بنظرته المستقبلية البعيدة أدرك في وقت سابق أهمية تضافر الجهود الدولية لمكافحة هذه الظاهرة التي لا دين لها ولا وطن. لقد أمر الله بالوحدة والتلاحم وعدم الفرقة في غير ما آية من كتابه الكريم فقال جل وعلا: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) [آل عمران: 103]، وقال سبحانه: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) [آل عمران 105]، وقال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما امرهم الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) [الأنعام: 159]، وقال:(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون) [الأنبياء: 92]، وقال (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) [الروم: 31 و32]، وقال: (شرع لكم من الذين ما وصى به نوحا والذي أوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) [الشورى: 13]، فما احوجنا للتمسك بهدى كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا سيما في هذه الظروف الحرجة؛ التي استغلها دعاة الفتنة بأطروحاتهم المضللة، ومزايداتهم الباطلة، لتحريف مبادئ الإسلام السامية، ولتحقيق اهداف اعداء الدين والوطن، ليأتي هذا النداء الابوي المتألم الحاني من قائد الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه في لقاء من لقاءات الخير المتواصلة التي تؤكد على عمق التلاحم بين الراعي والرعية، وهو أمر معهود وغير مستغرب على هذه الدولة منذ عهد مؤسسها الباني الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه حتى عهدنا الزاهر بقيادة الملك المسدد عبدالله، الذين اعلن الحرب على الارهاب قولا وفعلا للقضاء عليه، واجتثاثه من جذوره، ومن ورائه رجال مخلصون يعملون تحت قيادته هو وولي عهده الأمين نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير/سلمان بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير/مقرن بن عبدالعزيز، ووزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير/محمد بن نايف بن عبدالعزيز، ورجاله المخلصين من أمراء ووزراء ومسؤولين ومدنيين وعسكريين ومواطنين حفظهم الله جميعا ورعاهم وسدد على درب الحق خطاهم. لقد بينت المملكة العربية السعودية بيانا لا لبس فيه الجرائم التي تدخل في مفهوم الإرهاب، وفصلت عقوباتها، المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية الغراء ومقاصدها، وجرمت المشاركة في أعمال قتالية خارج المملكة تحت مظلة أي من تلك المناهج الوافدة، التي تخل بالنظام، وتستهدف الأمن، والاستقرار، والطمأنينة، والسكينة العامة، وتلحق الضرر بمكانة المملكة، عربيا وإسلاميا ودوليا وعلاقاتها مع الدول الأخرى، بما في ذلك التعرض بالإساءة اليها ولرموزها، والانتماء للتيارات أو الجماعات وما في حكمها الدينية أو الفكرية المتطرفة أو المصنفة كمنظمات ارهابية داخليا أو اقليميا او دوليا، أو تأييدها أو تبني فكرها أو منهجها بأي صورة كانت، أو الإفصاح عن التعاطف معها بأي وسيلة كانت، أو تقديم اي من اشكال الدعم المادي أو المعنوي لها، أو التحريض على شيء من ذلك أو التشجيع عليه أو الترويج له بالقول أو الكتابة بأي طريقة. فأقامت الدولة بذلك الحجة، وابرئت الذمة، ومن ثم وجب على الجميع تقديم الصورة الصافية النقية للإسلام، بعدله ورحمته وسماحته وخيريته وعالميته الذي جاء بحفظ الضرورات الخمس: النفس والدين والعقل والعرض والمال، وللدولة برؤيتها الوسطية، وبمنهجها المعتدل في ضوء الكتاب والسنة. وفي السياق ذاته؛ وبإزاء الاجراءات الأمنية الاستباقية لجرائم الإرهاب؛ فإن السلطة القضائية تقوم ايضا بالجانب العلاجي بصددها؛ بما توقعه من عقوبات عادلة على مرتكبيها، مستمدة أحكامها من الشرع المطهر بكل استقلال وحياد. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل ما من شأنه خدمة ديننا ووطننا ورفعة شأنه في العالمين، وأن يحفظ على بلادنا امنها واستقرارها وقيادتها، ويصرف عنها كيد الأعداء والمتربصين والحاسدين والأشرار. ونعوذ بك اللهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن. وما توفيقنا الا بالله؛ عليه توكلنا وإليه ننيب. (*) وكيل وزارة العدل عضو المجلس الأعلى للقضاء