أصابت نساء تركيا هستيريا ضاحكة وانطلقن يفرقعن بالضحكات والقهقهة بصوت عال نكاية في نائب رئيس الوزراء بولنت ارينتش، الذي نهاهن عن الضحك أمام أي شخص وفي الأماكن العامة حفاظا على الأخلاق. وطبعا انتهز المعارضون للحكومة الحالية هذه الفرصة الذهبية التي أتيحت لهم، فانتقدوا كلام ارينتش ووصفوه بأنه يحارب الضحك في حين المجتمع في حاجة إلى مزيد من الضحكات، ورد عليهم نائب الرئيس مدافعا عن نفسه بأنه يهدف إلى الحفاظ على القيم الأخلاقية وأنه لم يطلب من النساء وحدهن عدم الضحك وإنما دعا الجنسين معا الرجال والنساء إلى الالتزام بالأخلاق الحميدة والابتعاد عن كل ما ينافي ذلك. لوجه الحق أنا لم أقرأ نص كلام نائب الرئيس، ولم أستمع إليه وهو يتحدث، ولو استمعت من المؤكد أني لن أفهم شيئا لجهلي باللغة التركية، ولكن إن كان حقا ما قاله في دفاعه عن نفسه من أنه لم يخص النساء وحدهن بالنهي عن الضحك وأن كلامه كان موجها للجنسين، فإني لا أجد معنى لاحتجاج النساء التركيات على ما قال، ولا أفهم لم تتطوع منظمة الدفاع عن حقوق المرأة التركية برفع قضية جنائية ضده؟! إن كان نائب الرئيس صادقا في نفيه قصر كلامه على النساء وأنه كان يخاطب الجنسين معا، لم لم يستأ الرجال كما استاءت النساء؟ هل النساء بتن أكثر حساسية من الرجل تجاه سماع مثل هذه التوجيهات لفرط ما مر عليهن من القمع والمنع؟ أم أن الحقيقة غير ما يدعي، وأنه بالفعل خص النساء في النهي عن الضحك ولكنه تراجع بعد أن رأى ردة الفعل الغاضبة؟ موقف نائب رئيس الوزراء من الضحك هو امتداد لموروث ثقافي، نشره بعض الفقهاء والمشتغلين بالدين عبر القرون الماضية. في هذا الموروث تجد كراهية للضحك وتحذيرا منه ونهيا عنه، ولعلنا كلنا نذكر تلك العبارات التي كانت تدرس لنا في كتب المطالعة تحذرنا من الضحك مثل (من كثر ضحكه، قلت هيبته) و(الضحك بلا سبب قلة أدب) وأمثالها من العبارات التي كانت تزين بها كتب المطالعة. هذا الموروث الكاره للضحك ظهر على أيدي البعض من الذين كانوا يرون الضحك متنافيا مع الخشوع والتقوى وموديا بصاحبه إلى الهلاك والوقوع في الإثم، حتى إنهم قالوا: (إذا ضحك العالم ضحكة، مج من العلم مجة)، وبلغت بهم كراهية الضحك أن بعض المفسرين كالطبري والقرطبي مضوا إلى القول بأن المراد (بالصغيرة) في قوله تعالى: {ويقولون مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} بأنه (الضحك)، فعدوا الضحك من الذنوب التي يحاسب عليها الإنسان!! أما البغوي فيتوغل أكثر في كراهية الضحك حيث يفسر الصغيرة (بالتبسم) والكبيرة (بالقهقهة)!! ولا أدري كيف يصح هذا والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتبسم ويوصي الناس بالتبسم (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)!!.