كما اعتاد المسلمون أن يحتفلوا بمقدم رمضان ويتبادلوا التهاني بحلوله وتمتلئ قلوبهم رجاء أن يحمل مقدمه إليهم الخير والغفران، اعتادوا أيضا أن يحتفلوا بتوديع الشهر والتعبير عن أسفهم لانصرامه، وفقدهم أوقاته المباركة التي تجعلهم يشعرون بالطمأنينة والراحة وتتيح لهم فرصة الحصول على الأجر العظيم. الأسف لفراق رمضان تختلف أسبابه ودوافعه عند الصائمين، فبعضهم يأسف لأنه يرى في انقضاء رمضان نهاية الأيام الفضيلة التي يضاعف فيها الأجر وتفتح فيها أبواب الرحمة وتنتعش فيها القلوب المؤمنة بعبق الطمأنينة والرضا، فأيام رمضان مزهرة بالخير وربيع عامر بالمرعى الطيب، لهذا يعم الأسى القلب عند رحيل رمضان، يقول أحدهم مخاطبا رمضان: (لئن فنيت أيامك الزهر بغتة،، فما الحزن من قلبي بفان)، ويقول آخر: (فيا شهر لا تبعد لك الخير كله،، فأنت ربيع الوصل ياطيب مرعاه). لكن الأسى لفراق رمضان ليس دائما بسبب فقد الأيام المباركة والحرمان من النهل من فضلها، الأسى أحيانا يكون للخوف من انصرام أيام الشهر والعبادات لم تقبل، فهذه هي الطامة والخسارة التي لا تماثلها خسارة، يقول أحدهم معبرا عن ذلك الخوف: أي شهر قد تولى ياعباد الله عنا ثم لا نعلم أنا قد قبلنا أم حرمنا ليت شعري من هو المحروم والمطرود منا وفي أحيان أخرى يكون الأسف لانقضاء رمضان بسبب الجزع من أن يكون ذلك العام آخر العهد به، فتضيع للأبد فرصة نيل أجر الصيام وطلب المغفرة والرحمة من الله، يقول أحد الشعراء مخاطبا رمضان الموشك على الانقضاء، يطلب منه التريث: فيا شهر الصيام فدتك نفسي تمهل بالرحيل والانتقال فما أدرى إذا ما العام ولى وعدت بقابل في خير حال أتلقاني مع الأحياء حيا أم انك تلقني في اللحد بالي ومع ذلك، فإن رحيل رمضان لم يكن مؤسفا لكل الصائمين، فبعضهم يظلون طيلة الشهر يترقبون بلهفة انتهاءه كي يتحرروا من قيود فرضوها على أنفسهم احتراما لرمضان، فبعض العصاة يستعظمون الاستمرار في ممارسة المعاصي خلال الشهر الفضيل، فيرجئون ذلك إلى ما بعد انقضائه، كأنهم يرون ارتكاب المعصية في غير رمضان شيئا مباحا، من هؤلاء أحمد شوقي الذي يقول مبتهجا بانقضاء رمضان: رمضان ولّى، هاتها ياساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق ما كان أكثره على ألافها وأقله في طاعة الخلاق بالأمس قد كنا سجيني طاعة واليوم منّ العيدُ بالاطلاق إلا أن الفرح بانقضاء رمضان لم يكن دائما للتحرر من قيود الالتزام بالطاعة والبعد عن المعاصي، هو أحيانا يكون للظن أن الصيام محا الذنوب وغسل الأوزار: خير الوداع عليك يا شهر الهدى لم يبق من ذنب ولا عصيان يقول شوقي معبرا عن امتنانه بانقضاء رمضان بعد أن تطهر بالصيام من ذنوبه: الله غفار الذنوب جميعها إن كان ثم من الذنوب بواقي تقبل الله من الصائمين صيامهم ورزقهم ما يرجون من واسع عفوه ومغفرته ورحمته، وكل عام وأنتم من المقبولين.