طلب إلي صديق أن ألحق مقالتي الأسبوع الماضي عن الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم بشيء عن القول بالإعجاز العلمي فيه، أي تتبع وملاحقة النظريات والاكتشافات العلمية ومحاولة إسقاط شواهد من القرآن عليها، ودفع لي بقصاصات عن الموضوع، وهو حقيقة موضوع قديم كتب عنه كثيرون، الملهاة فيه الظن أنه يضيف للقرآن مصداقية لا أظنه بحاجتها لأنه قمة الصدق بدونها، وإن كانت صدقا فهي جزء منه، أما المأساة فحين تظهر نظرية جديدة أو كشف جديد يدحض ما عليه استندوا، فكما قال الدكتور خالد منتصر في كتابه القيم «وهم الإعجاز العلمي»، العلم تساؤل دائم أما الدين فيقين ثابت. مثلا من كان يصدق أن ليس هناك خط مستقيم قبل اكتشاف كروية الأرض، كروية الأرض حقيقة كونية والخط المستقيم مجرد نظرية، ولدهشتكم ظهر مؤخرا من يشكك في كروية الأرض من جديد. لعل أفضل رد على ذلك، قول الشيخ محمود شلتوت في تفسيره للقرآن الكريم من إن طائفة من المثقفين ممن أخذوا بطرف من العلم الحديث وشيئا من نظرياته يستندون على ثقافتهم لتفسير القرآن بمقتضاها وطبقوا آياته على ما وقعوا عليه من قواعد العلوم الكونية ظنا أنهم يخدمون القرآن ويدعون له أبلغ دعاية في الأوساط العلمية والثقافية. بالطبع هذا لا ينفي أن في القرآن آيات تتحدث عن حقائق علمية اكتشفها العلم الحديث مما كان الله سبحانه قد علمه لآدم عليه السلام ثم نسيه بنوه. يحضرني هنا قول أستاذ أمريكي في طب الولادة إنه تعلم من القرآن عن مراحل نمو وتطور النطف في الأرحام ما لم يتعلمه في كتب الطب، مصاغة بطريقة علمية يعجز عنها أمهر المتخصصين، وهو مما أذهل كثيرا من المستشرقين، كيف تأتي لنبي أمي معرفته. انتشر على النت قبل فترة، شريط يوتيوب يحاول إثبات أن الأرض لا تدور حول الشمس بحركة دائرية إنما بطريقة اختزالية تشبه إقلاع الطير بخط متماوج، وفرح به بعض دعاتنا، ويسأل صديقي، ما علاقة ذلك بقولنا إن الأرض هي المركز أو إنها مسطحة، ليستنتج أن الأقدمين فهموا الآيات الكريمة: (والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون)، بمعنى محدد لا يمنع أن يفهمها محدثون بمعنى مختلف، وهذا إعجاز بلاغي وليس علميا. تذكرون ولا شك إهدار عشرات السنين لإثبات كروية الأرض لمن كانوا يكفرون القائل بها، يأتي شريط سطحي كهذا ليهلل له البعض ويدفعه لإعادة القول بعدم كروية الأرض برغم توافر ملايين الصور الفضائية التي لم تكن متاحة من قبل، مما يثبت أننا نعيد إنتاج ذات أفكارنا القديمة الخاطئة، وأن قشرة التعلم التي نلبسها سرعان ما تزول عند أول صدمة.