منذ أن أدلى بإصبعه في فوهة الحبر وشعور بالإثم يستولي عليه. لم يشأ خوض هذه التجربة برمتها، حاول التملص وتجاهل أمر الحبر، لكن «حاجب الصندوق» أصر على ذلك مؤكدا له أنها علامة على نزاهة الانتخابات، ناصحا له بأن يرفع إصبعه عاليا دلالة على أداء واجبه الوطني. كانت الأنظار مصوبة نحو سبابته اليسرى التي تلوثت باللون الأزرق. أخرج منديلا ومسح طرف إصبعه، لكن الحاجب ابتسم في وجهه هذه المرة قائلا: السر يكمن بعدم الزوال، ألم أقل لك بأنها انتخابات نزيهة؟! لم يعر انتباها لكلام الحاجب وابتسامات الناخبين من حوله، كان عقله مشغولا ببقعة الحبر التي أحس بدغدغتها المتزايدة وامتداد انتشارها لكامل إصبعه. أخفى يده اليسرى عن المارة، أحس بأن عيونهم ستخترق جيب بنطاله لمعرفة نزاهة اقتراعه. كانوا يرفعون أياديهم اليسرى بشكل فاضح للحياء، أظهروا أصابع السبابة المتلونة كمن يطلب إذنا بالخلاص. تأمل جليا الصورة الوحيدة التي علت ردهات السوق وسدت منافذ عبور المشاة، أحس بأن عينيه أيضا تراقبان جيب بنطاله بحذر شديد. عند وصوله لبيته، كان اللون الأزرق قد تحول إلى لون أخضر داكن في جميع جوانب جسده، اللزوجة التي صاحبت تحول اللون جعلته غير قادر على الوقوف، انتفض عدة مرات محاولا إسناد جسده إلى الجدار، لكنه كان يحس بخدر في رجليه وجاذبية للأرض تجعله يمشي على أربع أقدام. صرخ بأعلى صوته طالبا النجدة، لكن لسانه الذي استطال خارج فمه منعه من الكلام، تذكر أنه قد أدلى بآخر صوت لمن تربع فوق كرسيه حتى قبل موعد النتائج. زحف حتى وصل إلى المرآة، هاله منظر المخلوق الذي انعكس أمامه، كان جسده قد تضاءل متحولا بالكامل إلى اللون الأخضر، ملامح بلاهة انعكست فوق محياه، بينما تضخمت عيناه وتكورت وجنتاه. كيف سأخرج للناس بهذا الشكل!؟ حدث نفسه محاولا الصراخ مرة أخرى. ارتد صدى صراخه في حجرات منزله فابتأس وحاول البكاء، لكن الصوت ذاته تكرر ليملأ الفضاء، انتفض من مكانه فأحس بأنه يقفز بالهواء، سعل بقوة فعاد الصوت أكثر عمقا وقوة هذه المرة من خارج غرفته. قفز بحرية نحو النافذة ثم نظر إلى الخارج. كان الشارع يعج بضفادع خضراء تشبهه، منتفخة البطون تبحث عن ذبابة كانت تنتقل بتلقائية فوق أسطح السيارات والدكاكين وأكياس القمامة والصور الباقية إلى الأبد.