ترتفع الحوالات الخارجية في شهر رمضان بنسبة لا تقل عن 15في المئةمقارنة بالأشهر الأخرى، وتنشط حوالات السوق السوداء والحوالات غير النظامية والتي تتجاوز ال 60 مليارا في العام الواحد كما يقدرها أحد الاقتصاديين، في حين أن التحويلات النظامية طبقا لآخر إحصائية بلغت 130 مليارا. ليبرز السؤال الأهم: كيف يمكن استثمار هذه الأموال في الداخل، والحد من آثارها السلبية على الاقتصاد الوطني. العمالة الآسيوية المستفيد الأول يستهل عضو جمعية الاقتصاد السعودية عصام خليفة حديثه بالقول: تمثل تحويلات الوافدين المصدر الرئيسي للتدفقات المالية إلى خارج المملكة، فقد قدر حجم التحويلات الرسمية للوافدين 130مليار ريال في العام الماضي، وهذه المبالغ الكبيرة من التحويلات تجعل المملكة تحتل المرتبة الأولى عربيا والثانية على مستوى العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، مع ملاحظة الفرق الشاسع بين الاقتصاد الأمريكي الذي يشكل ثلث الاقتصاد العالمي وبين الاقتصاد السعودي باعتباره اقتصادا ناميا، حيث إن التحويلات من الولاياتالمتحدة تشكل أقل من 1 في المئة من الميزانية الأمريكية، في حين تشكل التحويلات الرسمية 16 في المئة تقريبا من حجم الموازنة السعودية. ومن المتوقع أن ترتفع بشكل ملحوظ في السنوات المقبلة، فكلما أزداد أعداد العمالة القادمة إلى المملكة تزداد الأموال المرحلة للخارج على شكل تحويلات لهؤلاء العاملين ولأرباح الشركات الأجنبية . ولا شك أن هذا الحجم الكبير من التحويلات يعتبر مؤشرا اقتصاديا سلبيا يصعب تجاهله وينذر بآثار ومخاطر اقتصادية عديدة، حيث سيؤدي خروجها إلى تشوهات اقتصادية خطرة تؤثر في دورة رأس المال والاستثمار داخل الاقتصاد ويعتبر هدرا لفرص استثمارية للاقتصاد المحلي واستنزافا لمدخرات الوطن من العملات الأجنبية، وتخفض مستوى الدخل والرفاهية لدى المواطنين، وتزيد عدد العاطلين عن العمل الذين تتراوح أعدادهم 2 مليون عاطل وعاطلة، لذا فإن استمرار هذه التحويلات مستقبلا سيمثل عبئا كبيرا على الاقتصاد السعودي ومن الممكن أن يترك العديد من السلبيات الاجتماعية والأمنية على المدى البعيد . ويضيف : بالرغم من أن المملكة أجرت العديد من الإصلاحات الاقتصادية على أنظمتها التجارية والاستثمارية، وقدمت بعض التسهيلات لجذب رؤوس الأموال من الخارج ، إلا أن هذه الإصلاحات لم تكن بالقدر الكافي الذي يجذب مدخرات الأيدي العاملة الأجنبية في المملكة وبالأخص في القطاعات التي يمكن أن تشكل عامل جذب لمدخراتهم خاصة في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي يمكن أن تلعب دورا تنمويا مهما. لذا فإن العامل أو المستثمر الأجنبي يرى نفسه مضطرا إلى تحويل مدخراته إلى الخارج، وبالأخص إلى بلده الأم؛ وذلك بحثا عن فرص استثمارية مجزية مما يفقد المملكة هذه المبالغ الهائلة سنويا، لذا فإن المملكة بحاجة إلى تطوير الأنظمة والتشريعات الاستثمارية وإيجاد قنوات استثمارية جديدة ومناسبة تساهم في توطين مدخرات الوافدين والمستثمرين والحد من تدفقها للخارج، وتعمل على رفع معدلات النمو الاقتصادي في المملكة، لأن خروجها يعني هدرا من فرص الاستثمار للاقتصاد المحلي، وعدم القدرة على توظيفها في المشروعات الاستثمارية التي تنفّذ داخل الدولة. و تشير الدراسات إلى أن 60 في المئة من حجم الحوالات للخارج تتم عن طريق العمالة الآسيوية بالرغم من ضعف رواتبها، تليها الحوالات إلى الدول العربية والأفريقية والتي تمثل 30في المئة بينما تقدر الحوالات إلى أوروبا 15 في المئة. لذا فكلما أزادت أعداد العمالة الوافدة خاصة الآسيوية ازداد حجم التحويلات للخارج مما يضاعف من الآثار السلبية لاقتصاد الدولة. التستر التجاري ويمضي خليفة قائلا: وهناك ظاهرة خطيرة ظاهرة التستر التجاري، وللأسف الشديد فهي في تزايد مستمر والخاسر الأكبر من هذه الظاهرة الاقتصاد الوطني والمواطنون. ويستطرد خليفة: تنفذ بعض العمالة الوافدة الحوالات المالية عبر القنوات غير الرسمية خارج القطاع المصرفي، وتعتبر هذه القنوات بنوكا متحركة تقدم الخدمات البنكية من تمويل وتحويل وتبديل للعملات أو على أشكال سلع ومجوهرات أو التحويل عن طريق حسابات سعودية وهو ما يعرف باسم الاقتصاد الخفي الذي يؤثر سلبيا على ميزان المدفوعات والتحويلات الأجنبية جزء من هذا الميزا، حيث قدرت بعض الدراسات بأن حجم التحويلات غير الرسمية أكثر من 100 مليار ريال سنويا. ويخلص خليفة الحلول في: معالجة ظاهرة التستر التجاري، وتفعيل العقوبات المادية والمعنوية، والسجن والتشهير، وإنهاء النشاط الذي يمارسه المتستر .كذلك لا بد من التنظيم الداخلي عن طريق التنسيق بين وزارة الداخلية ممثلة في إدارة الجوازات، ووزارة العمل، ووزارة المالية ممثلة في البنوك التجارية، بحيث تنظم عملية فتح حساب بنكي خاص لكل عامل وافد مهما كانت صفته على أن يتم تحديد الراتب عند فتح الحساب طبقا لعقده للحد من تمرير الأموال للخارج بطرق غير نظامية وطلب كشف الحساب للوافد والكفيل السعودي عند تجديد الإقامة أو الخروج النهائي، مما يسهل مراقبة التحويلات للخارج. ارتفاع معدل الحوالات في رمضان ومن جانبه يرى الكاتب الاقتصادي، ومدير العلاقات العامة في البنك الأهلي غسان بادكوك بأن حجم الحوالات الخارجية في المملكة مرتفع. مرجعا ذلك إلى محدودية فرص الاستثمار وقلة مجالات الترفية المتاحة للأسر الأجنبية لإنفاق أموالها داخل المملكة. مشيرا إلى أن التحويلات إلى خارج المملكة ارتفعت بعد الأزمة المالية عام 2008 وتشهد ارتفاعا ملحوظا في الأعوام الأخيرة. كما يرتفع معدل الحوالات الخارجية في شهر رمضان بنسبة تتراوح بين ال 15 وال 20 في المئة مقارنة بالأشهر الأخرى من السنة. معتبرا أن توسيع المشاريع الترفيهية، وزيادة الفرص الاستثمارية للوافدين، سيساعد على زيادة معدلات إنفاقهم بالداخل، والتقليل بالتالي من حجم الحوالات التي يرسلونها إلى الخارج. تكثيف الرقابة ويقول البروفيسور، وأستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز حبيب الله التركستاني: رمضان يمثل موسما اقتصاديا، وتجري فيه الكثير من عمليات التبادل التجاري، وبعض البضائع التي يقوم التجار باستيرادها، يسددون نفقاتها عن طريق الحوالات. كما أن الجاليات الأجنبية تحرص على إرسال نفقات العيد لأسرها، لذا من الطبيعي أن ترتفع حجم الحوالات في هذا الشهر. ويستطرد قائلا : ولكن المشكلة الأساسية تكمن في الحوالات غير النظامية، والزيادة المستمرة لحجم التحويلات الخارجية، لأن التحويلات جزء من الواردات و التي زيادتها المطردة تسبب خسائر للاقتصاد المحلي، وتلقي بظلالها السلبية عليه. والمطلوب تكثيف الرقابة على الحوالات الخارجية للتأكد من مدى تناسبها مع دخول الأفراد، ومدى استيفائها للشروط النظامية. ويؤكد عدد من المصرفيين ارتفاع معدل الحركة في الأيام الماضية من رمضان، حيث تجهز البنوك كل طاقتها الاستيعابية لتلبي الإقبال الكبير الذي يتضاعف في نهاية الشهر، لحرص العاملين الوافدين، والجاليات الأجنبية على إرسال نفقات العيد لأسرهم .