كنا نتحرك بما يعادل أكثر من ثمانين بالمائة من سرعة الصوت، على ارتفاع حوالى عشرة كيلومترات عن سطح البحر، وكانت درجة الحرارة على بعد حوالى عشرين سنتيمترا من رأسي تبلغ حوالى خمسين درجة مئوية تحت الصفر، وبالرغم من البيئة الصعبة حول الطائرة، فكانت متانة مقصورة ركاب «البوينج» بمشيئة الله عازلة ومريحة. وأحد أسرار هذه النعم هو ما أكرمنا الله عز وجل به من خصائص عنصر الألمونيوم. هذا المعدن الجميل كان أحد نجوم القرن العشرين لأنه ساهم مساهمة أساسية في تغير حياتنا في العديد من المجالات ومنها مجال الطيران. معظم الطائرات التي صنعت منذ بداية عصر الطيران إلى يومنا مصنوعة من الألمونيوم. ولكن هذا المعدن يلمس حياتنا بطرق أبسط بكثير ومنها «الحق». نشرب الفيمتو، والكوكا كولا، والبيبسي، والشاني، وما شابهها في الأواني المصنوعة من هذا العنصر الرائع بدون أن نفكر في روائعها. أية روائع؟ تأمل في التالي: أولا: حجم العلب صمم على أساس «المقياس الإنساني» آخذا حجم اليد كمعيار أساس، ولذا فنلف يدنا حولها بكل سهولة لنمسكها. ثانيا: قوة العلبة مذهلة بمعنى الكلمة فهي كافية لحمل وزن ما يعادل عشرة تيوس لو استطاعت أن تقف على رأس العلبة. وفضلا الملاحظة أنني لم أستخدم البشر لأنني لم أرغب أن يجرب أحد القراء، لا سمح الله، أن يقف على علبة فيمتو للتجربة فقد يتعرض للإصابة. وقراء مقالاتي ولله الحمد لا يقفون فوق الأحقاق. وأما القوة بداخل العلبة فهي تتحمل مقدار الضغط الذي يفوق ضعف ما تجد بداخل كفرات «وانيت» الداتسون...أبو غمارتين. ثالثا: بالرغم من قوته العجيبة، فسمك المعدن المستخدم لا يزيد عما يعادل سمك ثلاث صفحات فقط مثل الصفحة التي تقرأها الآن. وأما وزنها وهي فارغة، فلا يتعدى وزن حوالى «درزن» أكياس شاي فقط. رابعا: مكوناتها لا تقتصر على مادة الألمونيوم فحسب، فهي تحتوي أيضا على توليفة تشمل عناصر «الماجنيزيوم»، و«المانجنيز» و«السليكون» والحديد بكميات بسيطة.. برشة هنا...ورشة هناك. وذلك من أجل إضافة القوة إلى الألمونيوم في الأماكن الحساسة الخاضعة للضغوط و«البهدلة». وكمثال على ذلك نجد قاعدة العلبة: لو تمعنت فيها ستجد أنها تأخذ شكل القبة إلى دخل الحق لمنحهما المزيد من القوة الإنشائية. وسبحان الله هي نفس المبادئ التي تحكم تصميم «أوعية الضغط» و«الأنابيب المضغوطة» ومنها جسم الطائرة الذي بدأنا به المقال. خامسا: تصميم الحق لا يقتصر على مبدأ الأنبوب فحسب، وذلك لأنه يتكون من مجموعة من المكونات الذكية. هناك «شفة» العلبة التي تمنع السوائل من الانزلاق لكي لا «تنخبص» الأمور عندما نشربها. وهي أيضا مصممة لتجعل «رص» أو ترتيب العلب فوق بعضها البعض أسهل بكثير عند التخزين أو الشحن. وهناك «اللسان» الموصول ب«البرشامة» وكلاهما يتحدان في منظومة فتح العلبة بسلاسة، ولكنهما يجب أن يكونا على درجة عالية من الترابط لكي لا ينكسر اللسان وتبقى «البرشامة» على قوتها. ولا ننسى أن هناك «رقبة» في أعلى وأسفل الحق لأن الغطاء والقاعدة عادة أصغر في قطرهما من جسم العلبة لمنحها المزيد من القوة. وهناك طبعا «الدمغة» أي الغلاف اللامع الملون الذي يحتوي على الرسالة التسويقية التعريفية للمنتج وهي ليست سهلة لأنها معمرة ولامعة وملساء. وهناك المزيد.. هناك المزيد دائما، ولكنني سأتوقف هنا لأن المقال طال. أمنية أتمنى ألا نكون مجرد مستهلكين للسلع: هناك دواع دائما للتوقف وقفات تأمل في نعم الله لنتذوق التصاميم الرائعة في كل صغيرة وكبيرة، فمن خلالها سنكتشف المزيد من روائع الخلق وألطاف الله علينا اليوم وكل يوم. وربما نضيف ونطور بمشيئة الله. وهو من وراء القصد.