في الوقت الذي تتعامل الحكومات العربية مع خطر «داعش» على أنه تطرف مدمر هويته الوحيدة الإرهاب، فإن صقور النظامين العراقي والإيراني يتصديان له على أسس طائفية مما يضع الصراع في قالب استقطابي لا منطقة وسطية جامعة فيه ! فالمراجع الدينية الشيعية «المتشددة» في العراق وإيران دعت المتطوعين لحمل السلاح، بينما أعلنت الأحزاب السياسية الشيعية تعبئة ميليشياتها استعدادا لخوض ما وصفه قائد الحرس الثوري الإيراني بمعركة كربلاء الجديدة، ومثل هذا الطرح الذي يكرس الاستقطاب على أسس طائفية يعزز حضور «داعش» ولا يجعل للسنة في العراق وخارجه خيارا سوى الانحياز لكل من يحارب قوات حكومة المالكي ! لقد تلقت حكومة المالكي تحذيرات عدة طيلة سنوات من خطر تهميش السنة في العراق، فقد أثبتت التجربة أن أي طائفة في العراق لا يمكن أن تستأثر بحكم البلاد وعزل الآخرين للأبد، بينما وقف الأمريكي موقف المتفرج الجاهل بتوازنات المجتمع العراقي حتى بلغ الاحتقان مداه، ثم بدلا من أن يعالج الخطأ بإجبار المالكي على التخلي عن السلطة وإعادة صياغة النظام السياسي ليكون مرجعه العراق الجامع لا الطوائف والأعراق والأشخاص، ها هو يستعد لتكرار خطئه في سوريا بعدم استيعاب حقيقة أن الصراع ليس بين حكومة شرعية ومجموعات إرهابية خارجة على القانون بل هو انتفاضة شعبية تمتطي صهوتها جماعات إرهابية بفضل تجاهل العالم لحقيقة ما جرى على الأرض وأسبابه ! المعركة في العراق ليست مجرد معركة بين الشرعية والإرهاب كما يحاول المالكي وحلفاؤه الإيرانيون إيهام العالم، بل هي معركة بين الظالم والمظلوم، وما دام العالم لا يرى سوى «داعش» فإنه سيبقى رهينة مشروع «داعش» ! أما بالنسبة للحكومات الخليجية، فماذا أعدت لاحتمالات الصراع الذي بات حتميا، فقد خذلت في سوريا والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!