في الأزمات تعرف الرجال بل أزيد على ذلك وأقول وفي المواقف من تلك الأزمات يعرف الحكماء والعقلاء، والمنطقة العربية السياسية في السنوات الأخيرة تشهد تحولات مثيرة ومتباينة مع مستجدات الأحداث المتماوجة التي يضج بها الشارع العربي، أحداث يجب أن يكون فيها موقف المرء الصادق حكيما واضحا بينا، فالذي لا يستطيع أن يقف بحزم وتصد للهجمات الورقية والإلكترونية المناوئة فعليه ألا يكون عونا للشيطان وعليه ألا يكون عرضة لهدم بيته بيديه وعليه ألا يزن الأمور بميزان فهمه القاصر الذي لن يحيط بما يدور على سطح المشهد الساخن وما يتناسل من تحت الطاولات الفارغة، والمرء النبيل الذكي يعترف بقلة ثقافته السياسية وعلمه القاصر أمام كل المعتركات الدائرة والأوضاع الطارئة ولا يلزم نفسه ما لا يلزم فيرتكض مرتكضات الجهلاء الذين ركبوا موجات التخويف والتخوين والتأويل والتهويل والتطبيل والتقليل والإسراف والإرجاف لأنه مهما بلغ من معرفة سيقف حائرا أمام لغز وجود غير وجوده، سابرا لكنه غير كنهه، عابرا دربا غير دربه. إن من الواجبات المنجيات لكل مواطن حقيقتين: 1- الالتفاف حول قيادته مهما حدث. 2- عدم الانقياد للحملات الموبوءة. فكلنا في مركب واحد، ولا يمكن أن يعيش المرء بخير حين يعمد إلى خاصرته ليباغتها طعنا وإلى قلبه ليجاذبه الوتين. وعلى كل فرد حيال الأحداث مواقف محتملة لن يخرج عنها: - أن يكون حاجزا دون وطنه فالحكيم يحمي وطنه ونفسه وآله إذ ليس هناك عدو رحيم عادل. - أن يصمت فلا يقحم قلمه ولا لسانه ولا سنانه في تسعير نار الفتنة. - أن يكون عديم الحس، دنيء النفس، غافلا عما يراد به فينضوي تحت ألوية الظلام التي لا تبصر إلا بضوء جهنم، هم أولئك العابرون في متاهات الضياع السادرون في كهوف الجياع، مثلهم مثل من يعيش حالة من التشتت والرعونة، يجوس خلال الديار - دياره - مرجفا بأخبار ملفقة أو ناعقا بأبواق مستعارة أو كاتبا بأقلام مسمومة وهو الأمر الذي عبر عنه القائد العربي المسلم في بلاد الأندلس عبدالرحمن الداخل بقوله: (لأسد هصور أمام عيني.. أهون علي من كلب عقور خلف ظهري) والمتنبي قال ذات رؤية حكيمة: وأظلم أهل الظلم من بات جاحدا :: لمن بات في نعمائه يتقلب.