تضاعف متوسط دخل الفرد السعودي خلال العشر سنوات الماضية ووصلنا والحمد لله لحوالى مئة ألف ريال كمتوسط دخل لكل نسمة وهذا معدل جيد ونمو قوي، ولكن وبالرغم من ذلك إلا أننا في ذيل القائمة لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي ولسنا من أعلى الدول دخلا على مستوى العالم بالرغم من أننا نمتلك والحمد لله أكبر مخزون من النفط في العالم ونحصل منه سنويا على مئات المليارات من الريالات، وبالتالي فإن معدل الدخل لدينا لا يبدو مناسبا لهذه الثروة ولهذه الإيرادات أو على الأقل فإنه لا يصل إلى ما نطمح إليه. وكما نعلم فإن متوسط دخل الفرد ليس إلا قسمة إجمالي الدخل لاقتصادنا على عدد السكان، ولذلك عندما نجد أن عدد السكان لدينا يتزايد بمعدل مرتفع جدا فهذا يعني أنه لو لم يزد إجمالي دخلنا وبنفس المعدل فإن متوسط دخل الفرد أو نصيب كل نسمة من الدخل سوف ينخفض، وبما أنه غير متوقع أن يزيد الدخل القومي بنفس نسبة الزيادة في عدد السكان، وذلك لأن هذا الدخل معتمد أساسا على تصدير النفط الذي يبدو أنه وصل إلى حده الأقصى، سعرا وكمية، فبالتالي فإنه للأسف من المتوقع أن ينخفض متوسط دخل الفرد لدينا خلال السنوات القادمة، والله أعلم. وقد نستغرب من هذا الانخفاض المتوقع ونحن ننعم بثروة النفط وإيراداته بفضل الله ولكن ثراء الاقتصاد ونموه لا يعتمد على الإيرادات فقط مهما كانت، وإنما يعتمد أيضا على المصروفات وهذا شبيه بحال أي منا، فارتفاع الدخول لا يكفي لثراء أي شخص وإنما يجب مقارنتها بمقدار الصرف، وبالتحديد عندما يكون الإنفاق أكبر من الإيرادات فإن المرء يفقر تدريجيا والعكس صحيح لو كانت إيراداته أكبر من مصروفاته، وكذلك الوضع شبيه بالنسبة للاقتصاد، فصحيح أننا نحصل على إيرادات ضخمة تصل إلى رقم فلكي يفوق الألف مليار ريال والحمد لله ولكن مقابل ذلك يذهب حوالى النصف لتمويل وارداتنا أو مشترياتنا من الخارج، وهذا الإنفاق هو للأسف معظمه على سلع استهلاكية لن تدوم، كسيارات تصدأ وملابس تبلى ومأكولات تساهم في زيادة معدلات السمنة لدينا. أما النصف الثاني الذي يبقى داخل اقتصادنا فكثير منه يمكث طويلا وذلك لأن معظم إنفاقنا على المشاريع العملاقة لدينا هو لشركات أو عمالة وافدة وسوف تقوم بتحويل ما تحصل عليه إلى الخارج، ولا يخفى على أحد حجم التحويلات السنوية للعمالة الوافدة، بالطبع فإنه ما دامت هذه الشركات وهذه العمالة الوافدة قامت بواجبها فإنه من حقها ومع الشكر أن تحصل على هذه الأموال، وما دامت أنها لا تجد ترحيبا مناسبا لاستثمار ما حصلت عليه لدينا فإنه أيضا من حقها أن تقوم بتحويله للخارج، وهذا حق مشروع ولكنه لا يغير الواقع وهو خروج مئات المليارات سنويا من اقتصادنا في شكل تحويلات للعمالة الوافدة وفي شكل دفعات للشركات الأجنبية. وأخيرا، ولكن بالتأكيد ليس آخرا، لدينا ملفات الإهدار والفساد، وهنا تضيع مليارات أخرى فأي تأخير أو سوء تنفيذ لأي مشروع يعني إهدارا لأموال لا يستفيد منها أحد وإنما تذهب أدراج الرياح، أما الفساد فهو امتصاص لأموال دون وجه حق، وهذه أيضا مبالغ طائلة تتسرب من اقتصادنا، فالفاسد أو المرتشي لن يأمن أن ينكشف أمره عاجلا أم آجلا وبالتالي تراه يحرص على «تهريب» ثروته للخارج لكي لايصل لها أحد. وهكذا فإنه بالرغم من ثروتنا الضخمة ومن إيراداتنا الهائلة والحمد لله إلا أن كثيرا منها إن لم يكن معظمها سرعان ما يتسرب للخارج ولا يتبقى إلا الجزء الأقل ولذلك يظل متوسط دخل الفرد لدينا دون الطموح ولا يناسب الإيرادات والمشاريع الضخمة في اقتصادنا وللأسف فإنه سيظل كذلك وربما ينخفض أكثر إلا إن نجحنا في وقف أو تحجيم مقدار التسربات التي نعاني منها. بالتالي التحدي الذي أمامنا هو في توعية وتوزيع الثروة والإنفاق السنوي لكي يصل إلى كافة مناطق الوطن ومواطنيه وفي جذب أكبر عدد من هؤلاء المواطنين ليستفيدوا وليفيدوا من الطفرة الاقتصادية التي ننعم بها حاليا، لأنه من خلال المشاركة العامة والشاملة لأبناء الوطن وجذب وتشجيع الشركات والمؤسسات الوطنية بالذات الصغيرة والمتوسطة ممكن أن تتغلغل الثروة إلى داخل أراضينا وتمتد جذورها، وهكذا يستطيع الاقتصاد أن يحتفظ بثروته وينميها، ولذلك فإن موضوع السعودة وتوطين الوظائف ليس فقط هدفا نبيلا لمساعدة الشباب وتوظيف العاطلين وإنما هو هدف إستراتيجي وضرورة أساسية ليتحول الاقتصاد إلى أرضية خصبة تعطي مردودها مضاعفا لما يتم إنفاقه عليها وتستطيع النمو والاستمرار حتى ولو انخفضت إيرادات النفط، أما خلاف ذلك وفي ظل وجود عمالة وافدة بأضعاف مضاعفة العمالة الوطنية فيظل الاقتصاد كالأرض السبخة ليس لها نمو إلا على السطح ولا يقوم إلا على هطول المطر المستمر وبعده لا يبقى زرع يذكر وإنما يعود كما كان. لا سمح الله.