للأسواق ذاكرة لا تمحوها السنوات بكرها وفرها، فالسوق موعد زماني وحيز مكاني تلتقي فيه العادات والتقاليد وتتعارف فيه الوجوه وتتآلف فيه النفوس.. ويظل سوق السبت في بلجرشي أحد الرموز المكانية والزمانية لأهالي منطقة الباحة، ويأتي أهالي المراكز المجاورة مسوقين بضائعهم ومثقلين بهمومهم وباحثين عن ذي مروءة يواسي أو يسلي أو يتوجع للمتعبين في القرى.. سبت بلجرشي ذكره المؤرخ أحمد بن سعد الزيداني الذي عاش في القرن الحادي عشر الهجري وقال: إن «سبت بلجرشي ليس بين الطائف وريدة أكبر منها ولا أظهر، سورها من المرو الأبيض وله باب من جهة اليمن، وسوقها أعلى شأنا من سوق بيشة ورنية ويجلب لها التمر والقصب من بيشة ورنية وتربة، والتمباك الذي شاع في هذه السنين من وديان ريم وسهيم ودوقة في تهامة، والسلاح الذي يصنع في بعض جهاتها، والبز وسكر الشام وسائر مطالب التجار من منجل القنفذة، ولا يجلب الجوخ والصولي إلا تجارها لعلو ثمنه، أهلها من غامد وبينهم من أخلاط الناس من يقيم بينهم حينا للتكسب في سوقها».. وتغنى به الشعراء الشعبيون في قصائدهم ومنها قصيدة لعب للشاعر أبو جعيدي نذكر منها: ( والله والله لو بتنزل السبت مرة، ما تلتقي إلا القصور الشامخة والشوارع، قريش ذا استفتحوا نهوان في غير حينه، والفايدة جوبها من توكر ومن مصوع، قدام لا تذكر الطائف ومكة وجدة) .. هذا السوق العبق برائحة من عبروا استعاد عافيته كثيرا منذ إقرار إجازة يوم السبت، عمر السوق مئات السنين وأبرز معالمه متاجر بيع السمن والعسل والبن والقهوة والقسي والتراثيات، ويؤكد مفرح راضي الغامدي أنه يبيع ويشتري في السوق منذ 27 عاما ويصف السوق قديما بالأفضل من السوق حاليا كون الجيل المعاصر ليسوا من هواة أكل السمن والعسل مثل آبائهم وأجدادهم. فيما يرى حامد حميد الغامدي أن مسمى سوق سبت بلجرشي قديم وكان الأشهر في المنطقة وبرغم ضعفه في أعوام خلت إلا أنه عاد بإقرار يوم السبت إجازة إذ عادت حياة السوق وتجدد نشاطه، وأضحى المواطنون والمقيمون يفدون من كل القرى والمراكز القريبة من شمران وعليان وخثعم وتهامة الباحة.. وتحضر المرأة البائعة لتسوق ثمار الغلف والمانجو والحبق والبيض البلدي والسلال والريحان والدجاج والحمام والملبوسات ويظل السمن والعسل والسمسم والتمور والقهوة والتراثيات والملبوسات والريحان والكادي والطيور بأنواعها أبرز السلع تداولا فيما تحضر الحبوب والبهارات والزبيب مع الباعة اليمنيين.