ماتمر به بلادنا المباركة من ازدهار عدلي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وماصدر فيه من تراتيب قضائية وإصلاحات عدلية يؤكد للجميع حرص القيادة الكريمة على تحقيق العدالة الناجزة. وقد خطت وزارة العدل في تحقيق هذه التطلعات من خلال إنشاء مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء، وما أسند إليه من مهام إصلاحية وتطويرية وتنظيمية لإعادة هيكلة النظم والإجراءات العدلية والسعي الجاد لتقويمها وتوظيف أحدث التقنيات في خدمة المرفق العدلي، والعناية بالبيئة العدلية من جميع جوانبها في عمل منظم وخطط واضحة معلنة، ورؤية شاملة تسعى إلى تطوير وتسهيل العمل العدلي ورفع قيم العدالة . ولاشك أن هذا العمل والجهد المبارك الذي تبذله القيادات العدلية وعلى رأسها معالي وزير العدل، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى ومايوليه سلمه الله من اهتمام بالغ في إتمام المسيرة العدلية، والسعي لتحقيق ريادتها في عمل دؤوب؛ يؤكد للبيئة العدلية على وجه الخصوص وللعالم كله أن الأسس التي تنطلق منها هذه البلاد المباركة في إرساء موازين العدالة والمعاني الأخلاقية والإنسانية التي تحمي حقوق الإنسان وحرياته المشروعة يكمن في تطبيقها للشريعة الغراء، واقتفاء الهدي النبوي من أجل تقديم أنموذج عدليٍ فريد . وفي هذا المقام لن أتحدث عن تفاصيل التطوير العدلي المتمثل في النمو البارز لأعداد القضاة، وكتاب العدل، ومشاريع التأهيل والتدريب المتخصصة، واعتماد مشروعات المحاكم، وكتابات العدل، وتقليص مدد التقاضي فالمقام لايتسع لذلك، والتقارير متوفرة في مظانها؛ إلا أنه من أبرز ملامح تطوير وتنظيم المرفق العدلي والتحديثات المكملة لما عليه العمل إصدار الأنظمة العدلية نظام المرافعات، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المرافعات أمام ديوان المظالم ونظام التنفيذ، وماتبعها من إعداد دقيق للّوائح التنفيذية والتي أثبتت تميز الكفاءات العدلية في إعدادها ونجاحها، وكذلك سن الأنظمة المتعلقة بالعدالة كنظام المصالحة، ونظام التوثيق، ونظام التحكيم، واللوائح المنظمة لأعمال أعوان القضاة، وقواعد الإسناد القضائي وما حوته تلك الأنظمة من تنوع ولائي وتدرج اختصاصي . كل ذلك وسام تتقلده وزارة العدل، والمجلس الأعلى للقضاء ، ويتمثل نجاح هذه المشاريع بتطبيقها والعمل بها ، مع ما أصدره المجلس الأعلى للقضاء من فترات انتقالية لترتيب وتنظيم العمل القضائي والشروع في تنفيذ نقلة نوعية تعمل على تحقيق ضمانات حيادية لكافة العمل العدلي . ومع تلك الإنجازات والأعمال الرائدة المنبثقة عن شراكة عدلية بين وزارة العدل، والمجلس الأعلى للقضاء فإن القضاء في هذه البلاد المباركة يمر بتحديات يتطلب الوقوف عندها، والتبصر بها، والسعي في تجاوزها بعمل عدليٍ جماعيٍ وفق السياسة القضائية، والتراتيب النظامية التي تتحقق بها المقاصد الشرعية . ومن أعظم هذه التحديات: تشكيك بعض المغرضين في حيادية واستقلال القضاء الشرعي في هذه البلاد المباركة، ووصف التغيرات الإصلاحية والتنظيمية بأوصاف ترفضها النزاهة العدلية كوصفها بتوجهات تغريبية مع مايكتنف ذلك من السعي في زعزعة استقرار المنظومة القضائية، والنيل من قياداتها، والطعن في مساعي التطبيق التام لضمانات تحصيل الحقوق، ورفع المظالم المتمثلة بالرقابة على أعمال التقاضي، وضبط الاجتهادات الخارجة عن إطار التنظيم العدلي . بارك الله في الجهود ونفع بالجميع، والله المستعان.