امتلاك منزل مستقل أو حتى شقة سكنية، حلم يداعب مخيلة أكثر من 60 في المائة من المواطنين في المملكة، هذا الحلم الوردي يقابله في الواقع حزمة من العراقيل بسبب الأنظمة المعمولة الحالية، ويتطلب الأمر إيجاد حلول على المدى القصير والطويل، ويرى الخبراء أنه على الصندوق العقاري الإسراع في إقرار العديد من البرامج كحلول لمشكلات الإسكان، عبر رفع مبالغ القروض حتى تتوافق مع أسعار الشقق السكنية الملتهبة، في ظل زيادة الطلب ومحدودية العرض، وأوصوا أمانات المناطق بإغراق السوق بالمخططات الجديدة لكسر الفقاعة العقارية الحالية. أرجع عدد من المتخصصين في القطاع العقاري، أن رفض بعض شركات التمليك والمطورين العقاريين التعامل مع المستفيدين من الصندوق العقاري في شراء شقق التمليك، سببه استغلال هذه الشركات تأخر مشاريع وزارة الإسكان الجديدة سواء التي تبنيها أو التي وقعت عقودا على تطويرها مع عدد من الشركات الكبرى، ضمن مشاريع تطوير الأحياء النموذجية، حيث تصل مدة التطوير لعامين، في الوقت الذي ينتظر فيه المواطنون برنامج الدعم السكني من وزارة الإسكان حتى اليوم، رغم الدعم الحكومي القوي الذي منح لوزارة الإسكان سواء 250 مليار الذي خصصها خادم الحرمين الشريفين أو من خلال الموازنة السنوية التي تمنح من وزارة المالية. في البداية قال المواطن بندر الأسمر: إن تفعيل نظام الرهن العقاري في فروع بنك العقاري الذي لم يتم تفعيله بالشكل المأمول سيكون له تأثير إيجابي أكثر من القروض العقارية الحالية، خاصة في الوحدات السكنية الصغيرة مثل شقق التمليك.. ويضيف: ما حصل فرقعة إعلامية ليس أكثر، وهنا أتكلم عن حائل كنموذج على أرض الواقع. مشيرا إلى أن الصندوق حاليا مطالب بالإسراع في إقرار العديد من البرامج كحلول لمشكلات الإسكان التي تهم أكثر من 60 في المائة من المواطنين. وأشار سعد الخلف، إلى أن تحركات صندوق التنمية العقاري السابقة التي ركزت على رفع حجم القرض، لم تسهم في مساعدة المواطن المستحق على بناء منزل أو شراء وحدة سكنية جاهزة، حيث تجاوبت أسعار الوحدات السكنية مع قرار زيادة القروض وارتفعت بنسبة كبيرة حالت دون قدرة المواطنين على الشراء، والبرامج التي أطلقها البنك لم تكن متوافقة مع الاحتياجات الأساسية ولم تنجح في معالجة أزمة السكن الخانقة، بدليل عدم تعاون المطورين وأصحاب العقار من المستثمرين مع مستفيدي الصندوق حتى في شقق التمليك. الشاب إبراهيم الشمري يقول: «مشكلة مستحقي القروض لم تقتصر على ارتفاع تكلفة البناء أو الشراء والتمليك، بل تجاوزتها إلى عدم وجود الأرض التي يمكن البناء عليها، فبرنامج الدعم السكني هو المسؤول عن الأزمة الخانقة فعندما يتحرك الدعم السكني وتصبح الخيارات متوفرة سيتخلى المستثمرون والمطورون عن قناعاتهم في الربح. وذكر الشاب سالم المزيد، أن غالبية المستحقين للقروض تصرفوا في أراضيهم بعد يأسهم من الحصول على القرض في السنوات الماضية، وأصبحوا غير قادرين على الشراء لعدم امتلاكهم المال الكافي، إضافة إلى تضخم تكلفة العقار حتى على مستوى الشقق على حد قوله. وطالب الشاب فهد الدهاش ببدائل جديدة تساعد مستحقي القروض في الحصول على مصادر تمويل إضافية لشراء المنزل الجاهز، خاصة أن عملية الحصول على قرض إضافي من البنوك شبه مستحيلة، حيث تشترط رهن الأرض أو المنزل مقابل تقديم القرض للعميل، إضافة إلى تحويل الراتب لضمان السداد مستقبلا والمشكلة الكبرى الملاءة المالية التي قد تحرم الكثير من المواطنين من القرض الإضافي. وتواجه الأرملة أم صالح (60 عاما) السجن، وبيع منزلها في المزاد، بعد قضاء المهلة المحددة التي منحها إياها القضاء لتسديد 250 ألف ريال للمقاول العقاري، الذي تقدم بشكوى ضدها منذ عدة أشهر إلى المحكمة العامة بمكةالمكرمة وصدر بحقها صك شرعي يلزمها بوفاء الدين الذي عليها للمقاول، وتروي أم صالح تفاصيل قصتها مع القرض العقاري الذي حصلت عليه من صندوق التنمية قائلة: «تقدم زوجي قبل وفاته بعدة سنوات بطلب قرض عقاري من بنك التنمية العقاري، ولم تتم الموافقة عليه إلا بعد وفاته بخمسة أعوام، وجير الطلب باسمها كونها الوصية على أبنائها الأيتام»، وتضيف: «تسلمت 300 ألف ريال قيمة التمويل، وسملتها للمقاول لبناء بيت صغير على الأرض التي ورثتها عن زوجي، وشيد لي منزلا من طابقين حيث قام بتشطيب الطابق الأول، وبعدها طلب مني دفعة أخرى لتشطيب الطابق الثاني، فأخبرته بعدم قدرتي على تسليم أي مبلغ إضافي خاصة أنني طلبت منه العمل وفق المبلغ الذي سلمته إياه سابقا»، وزادت: «رفعت شكوى إلى القضاء، ونلت حكما شرعيا يلزمني بالتسديد، بعد أن طلب القاضي من المقاول بشكل ودي أن يمهلني إلى بعد شهر الحج من هذا العام». واستطردت بالقول: «كيف ومن أين أسدد مبلغ 555 ألف ريال للمقاول وقيمة القرض العقاري، وأنا امرأة طاعنة في السن، وليس لي دخل آخر غير مبلغ 1600 ريال راتب التأمينات الاجتماعية» ولدي أربعة أبناء ثلاثة ذكور لا يعملون، وأحدهم معاق بشلل نصفي، وفتاة مازالت بمقاعد الدراسة». وبين كل من خالد سليمان، وخديجة يوسف، وعمر هلال : «توقفت مبانينا وارتفعت الأسعار بنسبة تفوق ال 70% بالإضافة إلى شح الأيدي العاملة وغلاء أسعارها، وبتنا رهنا لجشع المقاولين والعمالة تعمدوا الإخلال بالبنود المتفق عليها بالعقود طمعا في زيادة الأسعار، وهذا ما عرضنا لضغوط وخسائر مادية جمة، بسبب استغلال ضعاف النفوس من التجار والمقاولين والعمال» .. وأضافوا: «أصبحنا بين سعير الإيجارات والقروض البنكية وارتفاع المعيشة وبين جشع العمالة والمقاولين والتجار، علما بأننا أشد الناس تضررا من زيادة الأسعار لأننا على رأس البناء والأسعار تلتهب ونحن بأمس الحاجة لكل ريال لمواصلة البناء لننعم بالسكن الطيب ونرتاح من الإيجارات». ويرى سامي أبو طالب، أن القرض المالي الذي يمنحه صندوق التنمية العقاري وهو 500 ألف ريال وهذا المبلغ لا يكفي للبناء أو شراء شقة صغيرة تلبي احتياجات المواطنين خاصة في المدن الكبرى التي تشهد ثورة تنموية وعمرانية كبيرة كمكةالمكرمة والرياض وجدة. وفي موازاة ذلك، قال ماهر العتيبي: «اشتريت شقة تمليك وكانت ولله الحمد مناسبة لشروط البنك، وهذا الأمر وفر لي الكثير من المال والجهد والوقت».وأوضح عضو مجلس الغرفة التجارية الصناعية في المدينةالمنورة عبد الغني حماد الأنصاري، أن هناك العديد من العراقيل التي تواجه المواطنين في شراء الشقق السكنية عن طريق الصندوق العقاري بسبب الأنظمة المعمولة الحالية، وقال: يتطلب الأمر إيجاد حلول على مدى قصير ومدى طويل.. مشيرا إلى أن الأزمة الحالية للإسكان في المدينةالمنورة مع التوسعة الجديدة للمسجد النبوي الشريف، رفعت أسعار الشق السكنية إلى أرقام مبالغ فيها، حيث وصل سعر الشقة السكنية إلى مليون ريال والصندوق العقاري لا يمنح سوى نصف مليون ريال.. ويضيف: «هناك نصف مليون ريال أو أقل، وهذا يؤثر على عدم قدرة المواطن على الشراء، إضافة إلى أن من شروط البنك العقاري أن لا تقل مساحة شقق التمليك عن 210م2 » . وقال: على أمانات المدن أن تخرج ما في الصندوق من مخططات سكنية للموافقة عليها والتعامل مع الفكر والواقع الجديد الحالي الذي يتطلب معالجة الكثير من الإشكاليات السكنية التي نشأت بسبب تقادم الأنظمة، وهناك فقاعة عقارية في السكن رفعت الأسعار ويجب زيادة المعروض وللأمانات دور في إغراق السوق بالمخططات السكنية. وأردف قائلا: أصبح الجميع متضررين حتى أصحاب العقارات السكنية والعقاريين والكثير منهم توقفوا عن عمليات البيع والشراء بسبب التخوف من الوضع الحالي لسوق العقار.. وقال: لو استمر الوضع الحالي ستصبح عمليات البيع والشراء غير مجزية حيث ستصل إلى (3 أو 4%) من عمليات الربح، وعلى الأمانات وصندوق التنمية العقاري البدء في إنشاء مبانٍ سكنية متعددة الأدوار بعد شراء تلك المخططات عن طريق الصندوق العقاري وبيعها للمواطنين بنظام التأجير الذي ينتهي بالتمليك، وهنا ستشهد الأسعار مزيدا في الانخفاض نظرا لزيادة المعروض. وهنا، كشف ل «عكاظ» رجل الأعمال سعد علي الشدادي والمتخصص في بناء وبيع شقق التمليك، أن الشقق والعمائر السكنية التي يقوم ببنائها تتوافق مع شروط صندوق التنمية العقاري، وأن الشخص الراغب في شراء شقة سكنية يستطيع التقديم على القرض. وعن قيام بعض المستثمرين ببناء شقق لا تتناسب مع المواصفات قال: لا علم لي بهؤلاء، ولكن كافة شقق التمليك الخاصة بي متوافقة مع شروط الصندوق ولدينا عدد كبير من الشقق تجاوزت 80 شقة تحت الإجراء تمهيدا لبيعها بعد التأكد من المساحات، وعن الأسعار قال: تتراوح الأسعار حسب المساحة، فهناك أدوار مكونة من تسع غرف خلاف منافعها من دورات مياه وغرف خادمة وأسعارها تصل إلى 800 ألف ريال وبعضها 580 ألف وهذه الأسعار مناسبة مع المواد الجيدة التي يتم استخدامها في البناء والتشطيب. وعن المردود المادي أشار الشدادي إلى أنه ليس بالمبلغ الكبير، وقال: أسعارنا مناسبة وهدفنا توفير السكن المناسب للعائلات، وهناك إقبال كبير على العمائر التي يتم بناؤها حتى أن البعض يتقدمون لحجز وحدتهم حتى قبل الانتهاء من البناء، والبعض يستلمها قبل التشطيب.