من أكثر المواقف تشابها بين الناس موقفهم من العجز الذي يصيبهم في بعض الأحيان، فما يغلب على الناس اندفاعهم (غير الواعي) إلى تبرير العجز متى شعروا به يطوقهم، يفعلون ذلك للدفاع عن الذات المتهمة بالعجز. حسب ما يقوله علماء النفس فإن الشعور بالعجز أو الفشل أو التقصير يسبب ألما شديدا للذات، فيتجه العقل غير الواعي إلى البحث عن مبررات لما حدث آتية من خارج الذات، فالتبرير بمنزلة مسكن (قرص بنادول) يلجأ إليه الإنسان ليخفف عن نفسه الشعور بالألم الذي يحسه نتيجة ما بدر منه من تقصير أو عجز أو فشل. أحيانا بعض التبريرات قد تبدو مقبولة، وربما انطلت على السامعين فابتلعوها، لكنها في أحيان أخرى لا تكون كذلك، فبعض التبريرات تبدو محلقة بعيدا فيتعذر ابتلاعها، كتبرير أحد الشعراء عدم انتشار شعره وذيوع ذكره كما هو حال غيره من الشعراء بقوله: (ولولا الشعر بالعلماء يزري،، لكنت اليوم أشعر من لبيد). جعل من فكرة أن قول الشعر يحط من قدر العالم حجة يبرر بها خمول ذكره في مجال الشعر. أحيانا لا يكون التبرير وحده كافيا لتخفيف وقع ألم الشعور بالعجز على الذات، فيتجه الإنسان إلى البحث عن البدائل التي تعوض ما عجز عن تحقيقه، كقول أحد العشاق الذي لما عجز عن لقاء الحبيبة، التفت إلى نفسه يعزيها بامتلاكه بدائل تجعل ما فات عليه تحقيقه غير ذي أهمية: أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا، فذاك لنا تداني ةنعم، وأرى الهلال كما تراه ويعلوها النهار كما علاني هذه البدائل وإن بدت كاذبة إلى حد يدفع إلى الضحك منها، إلا أنها تمد صاحبها بالشعور بالراحة، فهاهو يقنع نفسه أنه سعيد الحظ طالما أن ليلا واحدا يظله والحبيبة، ونهارا واحدا يشرق عليهما معا، وقمرا مشتركا بينهما تتعانق عيونهما في تأمل جماله!! الأخطل الصغير يعزي نفسه بعد هجر الحبيبة، بالتبرير أنها لا تدري مدى جزعه لفراقها والبؤس الذي يعيشه بعد هجرها، وأنها لو درت لبادرت بالعودة إليه مواسية راحمة: لو كنت تدرين ما ألقاه من شجن لكنت أرفق من آسى ومن صفحا التبرير نوع من المقايضة مع الذات، حيث يقوم الإنسان بخداع ذاته والكذب عليها ومغالطتها حتى ترى الأشياء والمواقف باللون الذي تحب، وفي مقابل ذلك تمنحه هي الشعور بالراحة والرضا. ورحم الله المتنبي الذي أعلنها مدوية أن الحياة لا تصفو إلا لمن يغالط في الحقائق نفسه!!