بطريقة عقلية تبحث في ظواهر الأشياء من حولها عن طريق الخبرة التراكمية والنظرة الثاقبة أكد الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم، أن التعليم في وطننا كان مختطفا من متشددين، وأن أهم أسباب انتشار الفكر المتشدد إعطاء أصحابه فرصة لهم في التعليم، وهذه حقيقة يؤكدها التاريخ والأحداث المعاصرة. فقد اعتمدت بعض مناهجنا الدراسية على فئة بعينها لجأت إلى السعودية مطرودة من أوطانها وتمكنت من مفاصل التعليم ووضع مناهجه بما يتناسب وأيدلوجيتها وطرحها المفخخ، وعملت جاهدة على السيطرة على العملية التربوية منذ العام 1954م واشتدت في حقبة الستينات بداية التنمية والتحديث وحاجة المملكة إلى تطوير ثروتها البشرية في مجال التعليم، حيث انتشر هؤلاء النشطاء والتحقوا بمختلف طبقات النظام التعليمي وأوصاله بمراحله المختلفة، علاوة على أنهم قاموا بتشكيل النظام التعليمي وإعادة صياغة المناهج والمقررات حسب أفكارهم المتطرفة وأيديولوجيتهم الوافدة بكل ما تحمله أفكارهم من تشدد وغلو. فكانت مدرسة مناهضة الغرب الكافر (مدرسة حسن البنا) والأخرى محاربة الأنظمة الكافرة (مدرسة سيد قطب) وقد امتزجت هاتان المدرستان وأكملتا بعضهما البعض لتبرز حركة الصحوة بشكلها المتشدد متخذة من النظام التعليمي وسيلة لتغيير مفاهيم المجتمع والعمل على إذكاء مفهوم الولاء والبراء في الإسلام وتوجيهه كسلاح نحو الغرب، دون اعتبار لأهل الذمة والمعاهدين والاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوقهم إضافة إلى التأثير العميق على طلبة المدارس جاعلين منهم ثائرين على مجتمعهم لا يثقون بأهلهم محاربين لذويهم خارجين عن إرادتهم ولعل قصة (مفارق العتمة) للكاتب محمد المزيني وصف واضح وصريح لاتساع الهوة بين مريدي الصحوة وشرائح المجتمع الآخرين فهو يوضح في روايته أنه تحت وطأة تعاليم الصحوة الصارمة فقدنا الإحساس بمتعة الشارع والانطلاق بين أركانه، غابت تفاصيل وجوه الناس وبدت علاقتنا بهم سطحية وجافة حتى مع أهالينا وأقربائنا، كما أن الكاتب عبدالله ثابت قد أرخ لهذه الفترة في روايته (الإرهابي 20)، هذا غير من سطر ودون وأرخ وحذر في وسائل الإعلام بخطورة هذه الفئة وضرورة القضاء عليها بعد أن لاحقوا النشء في المدارس بالمناهج الخفية والمقررات المؤدلجة التي ضيقت من واسع الدين ولوت سماحته لصالحها تشددا وغلوا ولحقته خارج المدرسة عن طريق المخيمات والشريط والمطويات والمواعظ والمحاضرات. لقد كان من المبادرات المشهورة للأمير خالد الفيصل عندما كان مسؤولا عن إمارة عسير مبادرة كشف المنهج الخفي الذي تمت مناقشته في ملتقى أبها 1425ه ومحاربته للتطرف والغلو ووقف بحزم في وجه من أراد طمس الهوية الوطنية وإضعاف روح الانتماء لهذا الوطن مؤكدا لصحيفة الوطن بتاريخ 7/3/1425ه على كل مواطن سعودي المساهمة والمشاركة في دحض وحرب هذا الفكر الهدام ومن يعترض على السلام الوطني يجب أن يحاسب، ويذكر الأمير خالد الفيصل مقولة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله- حين قال إننا سوف نحارب هذا الفكر لعشرات السنوات القادمة وقد حصل والحمد لله، ويضيف سموه وهذا القول لا يعني هذه القنابل البشرية التي تتفجر في شوارع مدننا بل يعني كذلك أولئك الذين نظروا لهذا الفكر في بلادنا ونشروه في مدارسنا ومساجدنا وكلياتنا ومعاهدنا وأنا أسمي هؤلاء الشباب الذين راحوا ضحايا هذا الفكر (الحطب) وما نريده نحن هو الوصول إلى من جمع هذا الحطب، وقد آن الأوان أيها الأمير الجليل بدعم ولي الأمر أن تجتث التشدد بكل أشكاله وطرقه وخفاياه ومناهجه برؤية ملك جرم الإرهاب وكل من يخطئ في حق الدين والوطن والمجتمع ويستخدم شعارات الجماعة المتطرفة ورموزها. والمحرضون على الجهاد والمتبرعون للجماعات والتيارات الإرهابية فلا كرامة ولا عزة لأي دولة وأمة عاجزة عن كبح جماح الخارجين على وحدة الصف والجماعة. تلتها عدة قرارات وإجراءات حكيمة تصب كلها على محاربة التشدد والغلو توجه قرار ال80 بليون ريال لإصلاح التعليم ومخرجاته فإصلاح النشء هو البداية والأساس لتحصين المجتمع وحماية وحدته الوطنية والعمل الجاد المخلص لتطوير التعليم وإصلاح المناهج وتفتيتها من شوائب الماضي وما وضعه أولئك المؤدلجون وأصحاب المصلحة بين السطور منذ خمسين عاما مضت لخصها الأمير خالد بقوله تخلينا عن أبنائنا فخطفهم الآخرون. الأمل في الإصلاح قائم على جهود المخلصين الدؤوبة لاسترجاعهم وإصلاح أفكارهم بعيدا عن المعارك الوهمية وإثارة النعرات الدينية والغمز واللمز في عقائد المسلمين. اليوم وبيد من يملك الرؤية توضع الأمور في مكانها الصحيح لسياسة تعليمية واثقة الخطى، تليق بوطن كبير يشع منه النور ويصدر العلم والمعرفة بوسطية الإسلام وسماحته وتعايشه مع الآخر، وترقى فيه المناهج لتتماشى مع روح العصر وتزاوج بين الواجب والواقع، يرقى الطالب في فكره ويتميز المعلم في طرحه وتعود البسمة ويختفي الإحباط، فعالم اليوم يقاس بقدر ما تحققه الأمم من تقدم في العلوم والتقنية. دع الناعقين وتوكل على الله فعند إصلاح القضاء أطلقوا ألسنة حدادا واليوم يملأون الدنيا ضجيجا، لكنه مثل أجنحة الذباب لا يضير، هذا دأبهم فهم لا يريدون لنا علوا في الأرض.