وصلتني رسالة من سيدة رمزت لاسمها ب«عربية» تقول الرسالة أنا أقرأ ما تكتبه وهو تحت أي توصيف لغة آسرة تقبض على العين لكنك دائما تعزز كتابتك بحكم وأقوال أجنبية.. دائما ينتصر المفترض الهامشي في مقالتك بوحشية على الأصل اللغة التي تكتب بها العربية كتابتك مليئة بالأسماء الأجنبية وقصصك إلا ما ندر.. أنا أعرف أن الأسلوب هو سجن الكاتب وأنت سجنت نفسك في هذا الأسلوب قراءتك أجنبية.. اطلاعتك أجنبية.. الأفلام والقنوات التي تشاهدها أجنبية.. محيطك كما يبدو أينما تعيش أجنبي.. أنا لا أقلل إطلاقا من قيمتك ككاتب استثنائي أنتظر مساحته كل أسبوع.. كتبت بأسلوبك الخاص عن التقاعد كمحطة حياة وبمسحة تفاؤلية كعادتك وأرجو أن تسمح لي بطرح تجربتي الخاصة في هذا الجانب وما طرى على حياتي من تغيرات عظمى وصغري وأتمنى لو أجد لديك أو لدى قرائك جوابا لتساؤلاتي.. زوجي موظف حكومي وصل إلى منصب رفيع كان مخلصا لعمله نزيها مستقيما صادقا صريحا مثاليا نظيف اليد أبعده تركيزه التام على خدمة البشر في أن تكون له هوايات أو حلقات اجتماعية أو صداقات حقيقة.. لم يكن يخطر ببالي يوما أن هناك شيئا سيبعده عن عمله الذي هو جزء أساسي في تركيبته الإنسانية ولكن حان الميعاد وأصبح أمام الأمر الواقع موظف كبير سابق.. أحيل إلى التقاعد وفقد زوجي توازنه بعد ذلك أصبح لا يدري كيف وأين يقضي وقته وبدأت أنا أقاسي من الفراغ الذي يعيش فيه.. أصبح متعبا مشاكسا يتدخل في شؤون البيت دون خبرة أو معرفة وبدأ لأول مرة عشنا الهادئ الجميل يعرف الخلافات الزوجية الحادة التي تعلو فيها أصواتنا هذا بعد أن مضى على زواجنا ما يقارب الأربعين عاما أنجبنا فيها البنين والبنات وعشنا معا على الحلوة والمرة.. صار صمت رنين الهاتف ثقيلا عليه ولم يعد يدق جرس الباب أحد واختفت باقات الزهور التي كانت قبلا تملأ أركان البيت في مختلف المناسبات.. دائما أتساءل هل يحدث هذا لكل من يفقد منصبه؟ أين المعارف والمرؤوسون الذين كانوا يتسابقون في المناسبات؟ هل تبخر الوفاء في عالمنا فلم يجد زوجي أحدا يسأل عنه بعد إحالته للتقاعد؟ أم أن بريق المنصب أفقده الضوء فلم يهتم بأي شيء آخر غير عمله وهل هذا خطأ؟ وأنا يا سيدتي أحيل كل تساؤلاتك كما هي للقراء فالقضية تحتاج إلى أكثر من رأي عل لديهم جوابا مناسبا لك، أما فيما يخص كتاباتي فأنا بدوري أشكرك وأعتذر لك إن كتبت أحيانا بعربية مطعمة لا أختلف فيها معك ولكنني أدعوك لتتفقي معي على أن الحياة تتطلب منا أن نكتسب اختيارات لا بد منها فبهذه الاختيارات يصبح للحياة معنى ويصبح لوجودنا معنى ذلك ما تعلمته من فصول الحياة باستمرار وهو نفسه ما أقاوم من أجله في حياتي الثقافية العربية والأجنبية حتى لا أجد نفسي في لحظة ما فاقدا ما يدلني على نفسي وعلى زمني.. الزمن أول ما نختار في أي زمن نريد أن نعيش ولأي زمن نريد أن ننتسب وعلى الرغم من أنني عشت طفولتي في زمن هو الماضي بعينه وأنا أكتب عنه كثيرا بكل ما يعني من ثقافة وقيم ومبادئ فإن حلما كان يدلني على اختيار زمن حديث.. كان الاختيار تلقائيا لأنه كان طبيعيا كنت أريد أن أعيش الحياة التي يحياها الآخرون في العالم الحديث ولم أكن أشك في هذا الاختيار مثلما لم أكن أتردد فيه.. اختيار الزمن الحديث واختيار الثقافة الحديثة ذلك هو الزمن الذي كان موضوعا نصب عيني لا أخشى في التصريح به والتأثر به في ثقافتي إلا أنني ورثت أبجديات لن يختطفها أحد مني.. لك مني التقدير والامتنان على الإضافة الثرية.