إن حسنات إطلاق برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث والنظرة المستقبلية التي يتحلى بها خادم الحرمين الشريفين والتي قلما نجدها في قادة هذا الجيل أمر مفروغ منه إلا لقصار النظر. ومع اكتمال البرنامج الثامن للابتعاث، ووصول عدد المبتعثين إلى أكثر من 150 ألف طالب وطالبة، يدرسون في أكثر من عشرين دولة، في مجموعة من أفضل الجامعات العالمية أصبح لزاما لنا أن نتحدث عن مرحلة مابعد الابتعاث وخصوصا في ما يخص القطاع الخاص. وقد نكون سمعنا من خلال بيئتنا الشخصية عن عدد من المبتعثين الذين بقوا لفترات من غير العثور على وظيفة لعدة أسباب قد يكون منها عدم القناعة بالراتب، أو نوعية ومستوى الوظيفة الإداري، وقد يكون السبب تردد الشركات في تعيين المبتعث بحجة عدم وجود الخبرة، ولنكون موضوعيين لابد من النظر في وجهة نظر الطرفين. فلو ربطنا بين العملية التعليمية والتطبيقية للوصول إلى النجاح و الارتقاء في العمل بالنسبة للمبتعث لأمكننا تشبيهها بالهرم المصغر الذي يكون أساسه التعلم، فما يحصل عليه المبتعث من علم في مختلف جامعات العالم يعتبر أساسا يتحرك من خلاله للوصول إلى الطبقة التالية في هذا الهرم وهي الخبرة والتي تعتبر أساسا لا اختلاف على أهميته في عالم الأعمال ولا يمكن الحصول عليه الا بالممارسة. أضف إلى أن الخبرة ليست فقط المهارات التقنية للوظيفة، ولكن أيضا المهارات الشخصية كالقيادة وحل المشكلات والتي لا يمكن اتقانها حتى وإن دُرست مكثفا في المناهج سوى بالتطبيق المتكرر حتى الاتقان، فلا تتفاجأ إن شعرت وكأنك بدأت من الصفر في حياتك العملية، فما درسته يختلف بنسبة كبيرة عن ماتطبقه و وصولك لرأس الهرم ليس طريقا مفروشا بالورد فمنصب المدير والراتب الكبير تأتي بمسؤولياتها الكبيرة وبرنامج الابتعاث خلق الأرضية الخصبة للتنافس في ظل وجود الكثير من الخريحين من أمثالك. أما بالنسبة لحال الشركات فلا زالت المقاومة موجودة وحجة ضعف الخبرة العملية وعدم الاستمرارية لفترات طويلة هي الطاغية بعد أن كانت في ما مضى ضعف مخرجات التعليم. وإذا سلمنا بنقص الخبرة التطبيقية العملية للخريجين فهنا يأتي دور الشركات في الاستثمار في القوى البشرية بالتدريب لتطوير جوانب النقص والحرص على نقل الخبرة اللازمة للموظف وتطوير المهارات اللازمة للعمل وبهذه الطريقة يعالجون (بأنفسهم) الشكوى الدائمة من ضعف عملية الولاء، فالاستثمار في الكادر البشري وتهيئة بيئة العمل المناسبة أحد أهم أسباب استمرارية الموظف في الشركة. ولعلي أقترح هنا إنشاء مركز تدريبي متخصص لتدريب المبتعثين على المهارات الإدارية (العملية) والمبنية على واقع العمل في القطاع الخاص مشابهة للمراكز والدورات الإعدادية التي تساعد وتؤهل المبتعثين قبل الذهاب للبعثة وذلك لتكتمل الدائرة لنجاح هذا البرنامج الرائد منذ انطلاقته حتى استقرار المبتعث في عمله.