أصبح السؤال الآن.. وبعد فوز المشير عبدالفتاح السيسي بمقعد الرئاسة في جمهورية مصر العربية.. وتأهبه لدخول قصر الاتحادية لفترة رئاسية مدتها أربع سنوات.. أصبح السؤال هو: ماذ ستقدم يا فخامة الرئيس لمصر.. بعد أن وضع الشعب ثقته فيك.. وأكد تفاؤله بمجيئك إلى السلطة بعد أن اختارك منذ 30/6/2013م لقيادة بلده ووجد فيك صورة الزعيم الذي ينتظره ويعلق عليه الآمال لقيادة مصر في المرحلة القادمة؟! هذا السؤال الكبير.. لا يحتاج إلى اجتهادات من الساسة وقادة الرأي.. بقدر ما يحتاج إلى سماع صوت الرئيس وهو يعلن عن خططه وبرامجه الفعالة والجادة لإخراج مصر مما هي فيه والانتقال بها إلى مرحلة جديدة.. قوامها بناء دولة قوية تفرض احترامها على الجميع في الداخل والخارج.. لكنه وحتى قبل أن نسمع الرئيس «السيسي» يتحدث عن مصر المستقبل لابد وأن نقرر ما يأتي: أولا: الداخل المصري: 1) أن الوضع الأمني وإن أظهر تحسنا كبيرا في الآونة الأخيرة بتضافر جهود القوات المسلحة والأمن العام.. إلا أنه مازال «هشا» وبالذات بعد الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات.. وحلول شرعية جديدة أخذت تدير شؤون البلاد بعد أن جاءت عبر صندوق الاقتراع وبإرادة الشعب الذي خرج في البداية مطالبا السيسي بالترشح.. ثم باختياره بأكثر من (24.000.000) صوت.. وما يتوقعه الجميع من تصعيد للعمليات الإرهابية في مختلف أنحاء مصر.. 2) أن الوضع الاقتصادي هو الآخر يجسد حالة تقترب بالبلاد من حالة الانهيار التام سواء بالنسبة لتناقص حجم الاحتياطي النقدي.. أو بالنسبة لارتفاع حجم المديونيات.. أو تفاقم البطالة بين الشباب.. أو بالنسبة لتراجع أسعار البورصة.. وكذلك توقف السياحة.. وتعطل عجلة الإنتاج وبالتالي ضعف الدورة الاقتصادية المتناهي.. 3) أن العلاقة بين الدولة وكل من بعض القوى السياسية والشباب لم تكن خلال الفترة الأخيرة جيدة ولاسيما بعد صدور بعض الأنظمة ومنها نظام تنظيم المظاهرات وما أدى إليه تطبيقه من إلقاء القبض على بعض العناصر المنتمية إلى بعض التنظيمات علاوة على ما ظهر من اعتراضات على بعض الأحكام الصادرة بحق بعض المحكومين لأسباب مختلفة.. 4) أن الوضع في الجامعات.. ولاسيما جامعة الأزهر لم يكن مريحا بفعل الأحداث التي شهدتها في الآونة الأخيرة.. وأدت إلى فوضى عارمة في العديد منها.. وما دار بشأن ذلك ولايزال يدور من لغط حول قضية الحرس الجامعي وحدود تدخل الدولة لوقف عمليات العنف والاحتجاج التي سادت بداخلها.. 5) أن الوضع بالنسبة لإدارة شؤون المحافظات لم يكن مريحا.. لا بالنسبة للسلطة ولا بالنسبة للمواطنين في تلك المحافظات.. وهو ما فرض حاجة ملحة إلى إعادة التخطيط لتلك الأوضاع.. وإدارة المحليات في البلاد بصورة مختلفة وبذهنية جديدة. 6) أن الانتقال في حد ذاته بالبلاد من مرحلة الثورة على نظام سابق في 25 يناير 2011م إلى مرحلة التخلص من نظام أخونة الدولة بعد انتخاب «محمد مرسي» في 30/يونيو/2012م.. أن الانتقال من هاتين المرحلتين الصعبتين إلى مرحلة الاختيار الكاسح لرئيس جديد تعلق عليه آمال عريضة في ظروف صعبة.. هذه المرحلة تشكل تحديا حقيقيا أمام الرئيس الجديد لإصلاح كل هذه الأوضاع الداخلية شديدة التعقيد.. ثانيا: الموقف الخارجي 1) لم تكن العلاقات المصرية مع الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى في هذا العالم جيدة في ضوء التقييم الدولي لما حدث في مصر.. منذ تبني خارطة المستقبل وخروج «مرسي» من السلطة.. حيث نظرت تلك الدول إلى ما جرى ويجري على أنه تداعيات انقلاب عسكري على سلطة شرعية منتخبة.. وبالرغم من أن الشعب المصري قد وقف خلف قائد الجيش آنذاك «السيسي».. كما اختاره الآن رئيسا للجمهورية في انتخابات نزيهة بكل المقاييس.. وباكتساح كبير.. إلا أن تغيير الموقف الدولي لن يكون سريعا.. 2) كما أن العلاقات المصرية الأفريقية لم تكن هي الأخرى بالمستوى الحسن. وبالذات بعد تجميد الاتحاد الأفريقي لعضوية مصر فيه عقب إبعاد (مرسي) وتكريس الوضع الجديد فيها وهو وضع أثار قلقا كبيرا ولاسيما بعد تفاقم الأزمة بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة الذي ينظر إليه المصريون على أنه يمثل التهديد الأكبر لبلادهم في الوقت الراهن.. 3) وإذا أضيف إلى هذا ما ترتب من تبعات على زيارة «السيسي» كوزير للدفاع ووزير الخارجية المصري «نبيل فهمي» لموسكو في الفترة الواقعة ما بين 12 و14 فبراير 2014م وما تركته من حساسية لدى واشنطن وما رافقها من تكهنات حول توجه مصر نحو «موسكو» كبديل يفترض وبالذات بعد تجميد أمريكا لجزء من مساعداتها العسكرية لمصر.. احتجاجا على مسألة التغيير التي وقعت فيها.. 4) أما بالنسبة للعلاقات المصرية الإيرانية فإن تصريحات السيسي الأخيرة في مؤتمراته الصحفية التي أجراها مع رجال الثقافة والإعلام عن دور مصر في تأمين الاستقرار في المنطقة بشكل عام.. وفي الخليج بصورة أكثر تحديدا.. أعطت إيران صورة واضحة عن الموقف المصري من التهديدات الإيرانية المتزايدة لأمن الخليج.. وذلك على عكس ما كان يتم خلال شهور عسل العلاقات المصرية الإيرانية أيام حكم مرسي والتي تكللت بزيارة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد للقاهرة زيارة تاريخية.. حظي فيها باهتمام غير مسبوق من السلطة واقترب خلالها البلدان من استئناف العلاقات المقطوعة بينهما. 5) كما أن العلاقات غير المستقرة بين مصر وتركيا خلال الفترة الأخيرة بدت غير مريحة.. بسبب تعاطف الأتراك مع نظام مرسي السابق ونظرتهم إلى ما جرى في مصر على أنه انقلاب على الشرعية أيضا. 6) وفي نفس الوقت فإن العلاقات المصرية القطرية شابها خلال الفترة نفسها بعض الاضطراب.. وتحتاج هي الأخرى إلى معالجة صحيحة ومفيدة للطرفين في المرحلة القادمة. هذه التحديات وتلك بجانبيها الداخلي والخارجي تشكل ضغوطا كبيرة لا يستهان بها.. ليس فقط أمام الرئيس القادم إلى الاتحادية وإنما على مصر والشعب المصري على حد سواء.. وهذا يعني أن كرسي الرئاسة المصرية لن يكون «وثيرا» و«مريحا» لأن أمام السيسي ركاما هائلا من المشكلات الحادة والمعقدة.. والأصعب من هذا هو أن كل تلك التحديات غير قابلة للتأجيل أو الانتظار وأن كل ثانية في وقت الرئيس الجديد تحتاج إلى استثمار.. ولا أعتقد أن «الرئيس السيسي» انتظر إلى هذا الوقت بالذات حتى يبدأ التخطيط لكيفية التعامل مع هذه المشكلات بالصورة الملائمة والكافية والحاسمة أيضا.. ومن قرأ شخصية الرجل منذ عُيَّن وزيرا للدفاع في عهد مرسي وحتى يوم ظهر على الشاشة وأعلن خطة المستقبل وتابع بعد ذلك خطواته حتى قدم استقالته من تلك الوزارة ورشح نفسه لكرسي الرئاسة.. يدرك تماما أن الرجل كان طوال الوقت مهموما بأحوال بلاده.. وأنه قد نذر نفسه منذ وقت مبكر لمواجهة كل تلك التحديات.. ووضع أسس وقواعد العمل المثلى لبناء الدولة المصرية القوية أمنيا.. والقوية اقتصاديا.. والقوية سياسيا.. والقوية اجتماعيا.. وسوف تؤكد الفترة القليلة القادمة أنه كان الخيار الأنسب لقيادة بلده لاعتبارات كثيرة فصلناها في تحليلات سابقة نشرت في أعداد «عكاظ» التالية بعناوين محددة هي: (السيسي.. رئيسا) ونشر في العدد (4604) الصادر بتاريخ 23/3/1435ه. (حرق مصر.. خيار «الإخوان» لعرقلة فوز السيسي بالأغلبية الساحقة) في العدد (4609) الصادر بتاريخ 28/3/1435ه. (فخامة الرئيس «السيسي»: أحلام المصريين كبيرة) في العدد (4625) الصادر بتاريخ 14/4/1435ه. (4 محاور تتصدر استراتيجية السيسي لحكم مصر) في العدد (4667) الصادر بتاريخ 27/5/1435ه. (السيسي رئيسا.. وصباحي في المعارضة) المنشور في العدد (4724) الصادر بتاريخ 25/7/1435ه. لم تكن تحليلاتنا المبكرة تلك عملية «تنجيم».. أو مجرد تمنيات.. وإنما كانت نتيجة توفر كل عناصر وخصائص ومزايا القيادة في الرجل كما أشرنا إلى ذلك في آخر تحليل نشر الأسبوع الماضي. والآن وقد اختار المصريون «رئيسهم» بإرادتهم.. فإن المتوقع هو أن يكون «السيسي» قد وضع تحديات الداخل والخارج نصب عينيه وأشبعها دراسة وتأملا ووصل بشأنها إلى معالجات سديدة رغم انشغالاته الكثيرة في المرحلة الماضية بتأمين سلامة البلد (أولا) ثم بالاستعداد لاستحقاقات الرئاسة وترسيخ قواعدها بعد وصوله إلى مقعدها (ثانيا).. ولكي يبدأ «الرئيس» أولى خطوات العمل في هذا الاتجاه الجاد.. فإن اختياره رئيس حكومة.. وتشكيل هذه الحكومة.. سيعطيان الانطباع المباشر عما تتجه إليه بوصلة عمل السيسي في المرحلة القادمة.. كما أن اختيار العمل معه بديوان الرئاسة ومنطقة صنع القرار سيؤكدان مدى سلامة هذه البوصلة في إدارة دفة الأمور في الاتجاه الصحيح لدولة يتعين إعادة بنائها بعقلية جديدة وروحية مختلفة.. هذه العقلية وتلك الروحية مطالبة بأن يثبت الرجل بأنه قادر على أن يعزز قدرة البلد الأمنية على مواجهة جميع التحديات بكل قوة وحزم.. وبما يحقق نقلة نوعية في إدارة شؤون الدولة القوية مع الحفاظ على كافة الحقوق والحريات في ظل نظام دولة مدنية متكاملة الشروط والمواصفات. وإذا نجح «السيسي» في هذا الاختبار الأول.. ووفق بين الأمرين منذ بواكير تسلمه للسلطة رغم صعوبة الجمع بينهما.. فإنه سيحدد مستقبل بلاده منذ وقت مبكر.. وهو قادر بكل تأكيد على ذلك.. كما نرى.. ونتوقع.. وكما يتطلع إلى ذلك مؤيدوه قبل خصومه. التوفيق بين فرض سلطة النظام وممارسة الحريات والحصول على الحقوق في ظل عدالة اجتماعية ناجزة.. إذا تحقق وذلك ما نتوقعه أيضا فإن السيسي ربما يتحول من رئيس مؤقت مدته القصوى فترتان «8» سنوات إلى حاكم مطلق وتاريخي بعد أن يقوم الشعب بتغيير الدستور في هذا الاتجاه.. وهذا وإن كان واردا لأن لديه «كاريزما» خاصة مكنته من قلوب المصريين منذ أطل عليهم.. إلا أنه ليس أمرا سهلا وقد لا يكون ممكنا أيضا للأسباب التالية: 1) أن الإخوان المسلمين لن يقبلوا بسهولة بهذا الوضع لأن قيام شرعية جديدة بمثل هذه القوة وبأغلبية ساحقة تقترب من «95%» من إجمالي المصوتين في هذه الانتخابات مقارنة بما نسبته «51.73%» لمرشحهم الرئيس المعزول محمد مرسي.. معناه إسقاط حقهم إلى الأبد في السلطة والإجهاز على فرصهم في العودة إليها. 2) أن الأطراف المتشددة من داخل مصر وخارجها ستحاول لفترة طويلة أن تعمل على مواصلة عملياتها الإرهابية وتصعيدها بصورة غير مسبوقة للحيلولة دون تمكين الدولة المصرية من السيطرة الكاملة على الوضع. 3) أن الموقف الإقليمي (تركيا/قطر/إيران) سوف لن يتغير بسهولة وإن كانت هناك جهود جادة لاحتواء مواقفها المناوئة للتغيير منذ البداية وإن كان ذلك يتطلب بعض الوقت.. وكثيرا من الجهود المصرية الذاتية والعربية المشاركة في تهدئة الأمور وحشد كل الجهود لصالح السلطة الجديدة فيها. 4) أن الموقف الدولي وإن بدا أكثر تفهما لما أسفرت عنه النتائج من ذي قبل إلا أنه سيظل ولفترة من الزمن يراوح مكانه ممارسة لمزيد من الضغط على الإدارة المصرية الجديدة لفرض سياسات وتوجهات يتوقف القبول بها أو الاستيعاب لبعض معطياتها على المساحة التي يملكها فريق الرئاسة الجديد للحركة في كل الاتجاهات وفق رؤية استراتيجية جديدة وذات حسابات دقيقة. وأنا لا أتصور أن عهد الرئيس السيسي سيكون عهدا «تصادميا» مع القوى والأطراف الدولية.. بل على العكس فإنه سيسعى وبهدوء إلى احتواء الجميع والفوز بدعم الجميع في ظل رؤية موضوعية وشراكة حقيقية مع أشقائه الخليجيين بدرجة أساسية. 5) وبنفس السلوك.. فإن الرئيس السيسي ميال إلى استخدام سياسة القوة الناعمة مع محيطه الأفريقي لحل مشكلات مصر مع العديد منها.. سواء كانت بخصوص المياه.. أو بسبب الخلافات الحدودية المستعصية منذ فترة طويلة.. هذه السياسة الناعمة.. جديرة بأن تحفظ لمصر الحد المطلوب من التوازن.. بين المحافظة على السيادة الوطنية وبين الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من الأصدقاء وبين ضمان الأمن الإقليمي المشترك لجميع الشركاء.. لكن الهم الأول يظل هو: أولا: السيطرة الكاملة على الوضع الأمني داخل مصر.. وذلك لن يتحقق إلا باتباع سياسات تجمع بين التهدئة والاحتواء العاقل والبعيد عن التصعيد وبين فرض سلطة النظام والقانون دون تقديم تنازلات «مخلة» من شأنها أن تضعف سلطة الدولة على النظام العام.. وفي هذا الإطار فإن السيسي قد يتخذ الخطوات التالية: 1) إعطاء الإخوان فرصة كافية للاندماج في الحياة المصرية العادية لمن لم يصدر بحقه حكم قضائي مخل بالسلامة العامة وبأمن الدولة وتمكنهم من المشاركة في الانتخابات النيابية عبر القوائم الفردية كما نص على ذلك الدستور الجديد. 2) استخدام حقوقه الدستورية في «العفو» أو في مراجعة بعض الأحكام الصادرة بحق بعض المحكومين ولاسيما من القوى والأطراف السياسية الأخرى مثل (6 أبريل) ومن في حكمهم وإطلاق سراحهم رغبة في امتصاص حالات الغضب التي ظهرت في الشارع العام أو داخل أسوار الجامعات وذلك بهدف التخفيف من حالة الاحتقان التي اتسمت بها المرحلة السابقة. 3) اتخاذ سلسلة من الإجراءات والمراجعات المعبرة عن حسن النية والمجسدة لسياسة الاحتواء والحريصة على إعطاء إشارات إيجابية عن هوية الحكم الجديد لاستيعاب جميع المصريين بعيدا عن عمليات الفرز والتصنيف.. ودعما للهوية الوطنية مادام الجميع ملتزمين بصفة المواطنة بكل ما تفرضه حقوق وواجبات تلك المواطنة الصادقة بصرف النظر عن هوية الإنسان الثقافية أو السياسية أو العرقية ودون المساس بحقوق الدولة الكاملة في فرض الأمن والابتعاد عن كل مظاهر الشغب.. والتحريض.. وتكوين الخلايا النائمة لأي حساب.. 4) مراجعة الوضع الكامل في سيناء سواء من الناحية العسكرية والاقتصادية والتنموية.. كأولوية مطلقة.. كما ركز عليها السيسي بكل تأكيد في الفترة السابقة لانتخابه.. وتوصل فيها إلى تصور شامل وكامل لكل محافظات مصر.. وتبعا لظروف كل منطقة على حدة.. لكن الجيش أو الأمن سيظلان ولفترة ليست قصيرة يواصلان دورهما المركزي في حفظ الأمن والنظام وربما بصورة غير مسبوقة.. لأنه لا خيار لمصر لكي تستقر الأوضاع فيها إلا بفرض سلطة النظام بالقوة الكافية وفقا للدستور ولاستحقاقات السلامة العامة للدولة.. ثانيا: معالجة الوضع الاقتصادي الصعب وفي هذا الاتجاه فإن فريق الرئاسة الجديد سوف يتحرك على عدة محاور: المحور الأول: العمل على تحريك عجلة العمل في الداخل.. بفتح المصانع والمؤسسات الإنتاجية وبالتعاون مع الملاك والمستثمرين وتقديم الدولة لكل صنوف الدعم والتسهيلات الضرورية.. وإيقاف تنامي حجم البطالة في البلاد.. وإصدار العديد من الأنظمة المتصفة بالمرونة وتسريع الدورة الاقتصادية وتنشيط البورصة.. والتخطيط بإتقان لتخفيض الدين العام على الخزينة المصرية.. تمهيدا لمعالجة أوضاع الخدمات في المدن والمحافظات المصرية وإعادة تنشيط الزراعة وتنميتها. المحور الثاني: التركيز الشديد على السياحة.. وتأمين المناطق السياحية.. وعودة الحياة إلى المناطق السياحية والعمل فيها وزيادة حركة الطيران منها وإليها لضمان تدفق الملايين إلى المناطق السياحية فيها في ظل توفر مستويات عالية من الأمن والسلامة والخدمة الفائقة.. وإعداد خطط جاذبة وبالذات في فترة الصيف الحالية لإعادة الحياة إلى المناطق السياحية المصرية الجميلة وفي مقدمة السياح المستهدفين هم السياح الخليجيون والأوروبيون وسواهم.. المحور الثالث: تشجيع الاستثمار الخارجي للعودة إلى مصر.. بإصدار قرارات عاجلة من شأنها أن تجتذب الاستثمار بكل أشكاله إلى البلاد.. وفي مقدمة ذلك التعجيل بإصدار سلسلة من الأنظمة والقوانين المؤقتة في ظل صلاحية الرئيس الحالية من شأنها أن تفتح العديد من الأبواب المغلقة في السابق وتذليل العقبات وتخفيف الإجراءات لإغراء الجميع بالعودة سريعا بل وبالتوسع في الاستثمارات العقارية والسياحية والصناعية والتنموية بشكل عام.. جنبا إلى جنب تأمين حقوق المستثمرين في الداخل وتقديم المزيد من الضمانات والتسهيلات المشجعة لهم على ضخ المزيد من الأموال في الحياة المصرية بكاملها.. في البنوك والشركات.. والمؤسسات التعليمية والصحية والخدمية بهدف تطوير أوجه الحياة المصرية بصورة تدريجية.. وبالذات بعد أن كفل لهم الرئيس الجديد خلال حملته الانتخابية توفر مناخات ملائمة لتحقيق عوائد كبرى.. عبر سلسلة من الإجراءات المنظمة لذلك. ثالثا: تحسين البيئة العلمية والشبابية وتصحيح أوضاعها المأزومة: وسوف يتخذ العمل في هذا الاتجاه عدة مسارات هي: المحور الأول: ويتمثل في إعادة إصلاح الأوضاع داخل الجامعات عن طريق اختيار قيادات جديدة.. تجمع بين الكفاءة العلمية والإدارية وحسن التنظيم للجامعات من الداخل بصورة عامة.. وللجامعات التي شهدت الكثير من الأحداث والتصرفات المخلة في الفترة الماضية. كما سوف تتم مراجعة أفضل السبل المؤدية إلى فرض النظام وتمكين الجامعات من التفرغ لأداء وظائفها العلمية بعيدا عن الانشغال بهموم السياسة في المرحلة الأولى بما في ذلك دراسة موضوع التأمين داخل وخارج الجامعة.. المحور الثاني: وهو الأهم من كل ذلك، ويتمثل في ضمان دمج شباب وشابات الجامعات في الاستحقاقات الوطنية وتعزيز انتمائهم لبلدهم.. وعودة الثقة بينهم وبين النظام السياسي وصولا إلى المشاركة الكاملة في مرحلة إعادة بناء الدولة.. وذلك بطمأنتهم إلى المستقبل.. وإشراكهم في الحياة المدنية والسياسية والاجتماعية وإشعارهم بأهميتهم في تحمل مسؤولية العمل في هذه المرحلة وفي عملية البناء هذه.. وإعطائهم الفرصة بالعمل في مؤسسات الدولة البرلمانية والتنفيذية. المحور الثالث: وضع برنامج واضح المعالم.. يساهم في توفير فرص عمل حقيقية للشباب في مختلف أنحاء البلاد ومرافقها.. ويضعهم أمام مسؤوليتهم الكلية ويعزز انتماءهم لبلادهم واندماجهم بنظامهم السياسي بعد أن حرص الآخرون على خلق فجوة بينهم وبين الدولة في السنتين الماضيتين وبما عمق الشعور لدى الشارع العام على أن الشباب يتهيأ للقيام بثورة ثالثة هدفها النظام السياسي الجديد وإن كانت آثارها في المرة القادمة ستطال الدولة المصرية ككل.. ثالثا: تحسين الأوضاع الاجتماعية المتردية: وهي أوضاع أقل ما يمكن أن توصف به أنها غير كريمة نتيجة اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.. وتآكل الطبقة الوسطى.. بسيطرة رأس المال على مفاصل الحياة المصرية.. وعدم توزيع الدخل على الكل بصورة متوازنة.. وضعف الخدمات وتفشي مختلف أنواع الفساد في الإدارة الحكومية ووصولها إلى القطاع الخاص نتيجة تراكم أوضاع متوارثة أوجدت حالة من التراجع العام على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية.. ولذلك فإن الفرصة الآن متاحة أمام النظام السياسي الجديد لكي يعيد توجيه ثروات البلاد وجهة صحيحة ولاسيما في ظل خطة الرئيس الجديدة لإعادة تنظيم المحافظات.. وإقرار برنامج تنميتها وفقا لطبيعة كل محافظة.. وتوظيف الأموال والمشاريع والمساعدات التي ستنهال على مصر في الفترة القصيرة القادمة توظيفا أمثل.. من شأنه أن يوقف (أولا) عملية الانهيار ويعمل (ثانيا) على إعادة ترميم الوضعين الاقتصادي والاجتماعي ويحسن مستوى معيشة الفرد ويوفر أبسط وأهم الخدمات والاحتياجات للمواطن من ماء.. وكهرباء ومواصلات.. ويتطور في مرحلة (ثالثا) إلى تطوير مستوى الخدمات العلاجية ليرقى بالمجتمع في النهاية إلى تطوير حقيقي للمستوى التعليمي والتربوي الذي يحتاج إلى معالجة جذرية لأوضاع أثرت في كيان الدولة المصرية كثيرا.. وأعطت مخرجات ضعيفة للغاية. إذا تحققت هذه الأولويات الثلاث لمصر في غضون الفترة الأولى لرئاسة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي.. فإنها تكون قد نجحت في تجنيب مصر كارثة كانت توشك أن تقع فيها.. وعندما أقول خلال (4) سنوات.. فإنني أقصد أن يلمس الشعب المصري سنة بعد سنة.. بل شهرا إثر شهر أن هناك تحسنا ملموسا وعملا كبيرا يتحقق من أجله.. وأن ما وعد به في طريقه إلى التحقيق.. لكن ذلك يتطلب: 1) فريق عمل رئاسي على أعلى المستويات من حيث الخبرة والنزاهة والكفاية ولديه رؤية بعيدة المدى لمساعدة الرئيس في إدارة شؤون البلاد بحكمة.. وبجدية.. وبفهم صحيح لمشكلات مصر وكيفية التعاطي معها.. وبالتحضير لانتخابات نيابية تضيف جديدا للحياة المصرية تقوم على أساس التكامل بين السلطات.. لإعادة بناء مصر من جديد. 2) حكومة «تكنوقراط» شابة وغير مسيسة.. هدفها الأول والأخير هو إعادة الأمن والسلامة والاستقرار والهدوء إلى البلاد وإنعاش الحياة الاقتصادية وتأمين الشارع المصري. 3) تحركا سريعا باتجاه العواصم العربية الشقيقة.. لضمان أعلى مستويات التعاون معها.. على كافة الأصعدة وبما يؤدي إلى استرداد الاقتصاد المصري لعافيته.. وزيادة شعور المصريين بالأمان والاطمئنان إلى مستقبلهم.. ويوسع نطاق الاستثمارات الخارجية داخل مصر.. ويساعدها على تأمين احتياجات الجيش وقوى الأمن الضرورية لقيام الدولة القوية ويفتح باب العمل أمام المصريين في دول المنطقة بصورة واسعة ويشرك الدول الخليجية القادرة في تعزيز الموقف المالي للدولة المصرية ويساعدها على التخفيف من حدة الدين العام.. ويعيد إلى البورصة المصرية حيويتها.. ويوسع دائرة فرص العمل أمام شبابها في الداخل.. ولحسن الحظ.. فإن دول الخليج العربية التي وقفت مع مصر في أشد اللحظات قسوة.. وصعوبة هي اليوم أكثر استعدادا لاستقبال الرئيس المنتخب بإرادة شعب مصر.. وتقديم كل أشكال الدعم لمصر العزيزة على الجميع.. وبكل تأكيد فإن حجم المساعدات التي ستتلقاها مصر من هذه الدول سيكون كبيرا.. وستكون فائدتها وعوائدها أكبر إن هي ارتبطت بمشروعات واضحة ومحددة ومدروسة ووفق أولويات تحددها حاجات الشعب المصري.. وتنظمها خارطة المستقبل الجديدة التي يمتلكها فريق عمل الرئيس وحكومته القادمة.. ويعينه على تحقيقها برلمان أكثر تجانسا وحرصا على مصلحة مصر.. من الحرص على حقوق التكتلات أو الأحزاب أو الفئات التي اختارته أو جاءت به أو أرادت به تعطيل الحياة المصرية.. وهذا غير متوقع بالمرة بعد أن أثبت الشعب المصري بأنه تجاوز هذه المرحلة وأنه أغلق كل الملفات القادمة وأنه لن يختار إلا من يحب مصر.. ويخاف عليها ويريد لها الخير.. ويعمل بالتجانس مع الرئاسة.. والحكومة لصنع المستقبل الأفضل لمصر.. بقي أن نقول إن كل الأسماء وكل الطروحات التي تتردد الآن في الأوساط المصرية لاختيار رئيس الوزراء الجديد.. ربما تتقدم إلى الساحة وتشارك في تشكيل صورة المستقبل على المدى القصير بما في ذلك الأسماء المرشحة كنائب للرئيس أو رئيس للوزراء أو رئيس للبرلمان القادم.. إلا أن ذلك قد لا يحدث الآن.. وفي بداية تشكل الوجه الجديد لمصر.. لقناعة شخصية لدي بأن الرئيس السيسي وإن كان يحمل الكثير من الاحترام لهؤلاء جميعا وفي مقدمتهم عمرو موسى وإبراهيم محلب إلا أنه ربما يفضل الإتيان بطواقم جديدة سواء في مؤسسة الرئاسة أو في الحكومة أو في إدارة المحافظات حتى لا يضع تلك الأسماء في مواجهة الاختيار الأصعب في مرحلة لا تحتمل الاختيارات من جهة وحتى ينفذ خططه وبرامجه الجديدة كلية بواسطة عقليات صنعتها الثورة وأنتجتها طبيعة المرحلة وتنتظر منها العمل بصورة مختلفة.. ودون حسابات قديمة مع أو ضد أي شخصية ترقى إلى مستوى المسؤولية منذ البداية.. وعلى هذا الأساس فإنني لا أتوقع أن يأتي إلى الواجهة عمرو موسى.. أو إبراهيم محلب.. (مثلا) مع أن كلا منهما قدم لمصر الكثير ولم تشب أداءه ولاسيما في المرحلة الأخيرة أي شائبة.. وأعتقد أن هذا سيتم بالاتفاق بين الرئيس الجديد وهذه الوجوه وقد لا تكون بعيدة كثيرا عن المشهد المصري بالكامل.. فضلا عن تغييرات متوقعة في الواجهة الثقافية والإعلامية وفي مؤسسات العمل ونقاباتها بما يتفق مع طبيعة التحديات الجديدة. ××× أما بالنسبة للشأن السياسي الخارجي.. فإنه ورغم أهميته في رسم ملامح المستقبل المصري.. إلا أنني لن أركز عليه في هذه القراءة.. لأن فخامة الرئيس السيسي.. يدرك أن هذا الملف يحتاج إلى معالجة حكيمة وهادئة وإلى دعم مباشر من إخوته وأشقائه وجيرانه.. وذلك قد يحتاج إلى بعض الوقت وإلى مزيد من الاتصالات المكثفة التي ستبدأ على الفور.. ولذلك فقد أجلت التوسع فيه إلى وقت لاحق وقراءة أخرى.