نائل العدوان تحسست رأسي، لايزال موجودا. فركت عيني، لكن يدي اصطدمت بكتلة ناعمة الملمس. كان رأسي ملتويا كحبة كمثرى، ثقيلا لا يحتمل حركة أو اهتزازا. صداع أكل مؤخرته وبرودة موت انسحبت بظلالها على مقدمته. انطلق صوت شخير بقربي!. خِلت أنني أحلم وأن الصوت مجرد وهم، لكن رائحة فم نتنة تحرشت بأنفي، ثم ما لبث صوت الشخير قريبا مني هذه المرة. التفت بطرف عيني، وإذا برأس ينام بجانبي!، كان «يتمرجح» فوق كتفي، معلقا لصق رأسي تماما ومغمضا عينيه كطفل أصابته حمى!. لم أصدق ما أراه. رقبة جديدة، فم وأسنان، عيون وآذان، لقد نما لي رأس جديد!. انتفضت من مجلسي! . فكان ذلك مدعاة لأن يتحرك الرأس فاتحا عينيه. صباح الخير، قالت شفتاه بصوت يشبه صوتي، فأيقنت حينها بأنني لا أحلم. هل لي بكأس ماء ؟ .. أضاف الرأس مبتسما. كيف سرقت جسدي؟، من أنت ؟.. قلت غير مصدق لما يحدث لي. هراء، هذا الجسد أصبح مشتركا بيننا، مصيرنا واحد، بقاؤنا وموتنا واحد، إننا باختصار واحد. لم أخرج للعمل. بقيت متدثرا بصمتي طوال اليوم، مفجوعا بتأمل رأسي الآخر الذي نما في غفلة مني. هي مؤامرة حيكت ضد جسدي، أطاحت بكل ما بنيته بلحظة مفاجئة. كان جسدي بطيء الحركة ولا يأتمر بسهولة، فإن أردت تحريك يدي فلا بد من توافق مع الرأس الآخر، ينبغي أن نقوم بالتفكير سوية. هل تسمح بتحريك يدي ؟ سألته. بالطبع، تقصد يدنا ؟، يضحك بملء شفتيه غير آبه بحنقي. رن جرس الهاتف، فالتقطت السماعة، لكن أسنانه انغرزت بمعصم يدي. احذر، لقد تعديت على حدودي، لك الشمال ولي الجنوب ، لي الغرب ولك الشرق، الم تفهم بعد؟. شرح الرأس الآخر باستفاضة موضوع «المحاصصة» الجديدة، قال إنه بلا عواطف أو مشاعر، ولما طلبت منه إيضاحا، حدجني بنظرة استنكار وانتفض قائلا: هل أنت غبي !، اليسار لك ولي اليمين، والقلب مِلك لك فافرح به، وأنأ لا قلب لي، لا قلب لليمين. وحدي إذن من سيبكي ويشعر بالوحدة ، وشريكي يفترش كتفي فرحا بلعبة التقسيم. استدرجته لنجد حلا لهذه الشراكة، لكنه رفض ذلك بحجة عدم الشعور بأي ضيق. رجوته متذللا لكنه كان صلدا كجدار، حينها هددته بأنني سأسحق رأسه عند أي فرصة تتاح لي، لكنه ضحك حتى سالت دموعه. ألم أقل لك بأنك غبي؟، إذا انتهيت أنا، لن تمكث غير بضع ثوان بعدي... إنه انتحار لكلينا!. من فوق أنفه، طارت بعوضة، كان صوتها يلدغ صمت المكان، احتجت إلى كل ذرة صبر كي أحافظ على توازني، لكن البعوضة جثمت فوق رأسي مباشرة، ثم طارت من جديد لتحط فوق أقراص الدواء بجانبي. غدت عينا الرأس تلتهمان فكري، تنظران بفزع إلى علبة الأقراص التي ارتمت على الطاولة. لا، أنت لا تفكر بذلك! .. قال الرأس بعينين خائفتين. لم أمهله لحظة، التقطت الأقراص، ثم ابتلعتها دفعة واحدة.. تسللت الظلمة إلى جفني غير عابئة بمقاومة شريكي، ثم انتشر بعدها خدر لذيذ إلى يميني الذي بدأ يذبل ببطء. أحسست بفرحة غامرة وبخفة شديدة. غاب صوت شريكي ولم أعد أسمعه.. وبقي صوت بعوضة وحيدة، تنتقل بحرية بين رأسين خلت منهما الحياة.