يؤمن الخبراء الاستراتيجيون أن الوضع الأمني «المتعفن» في ليبيا مرده أن السلاح أصبح في متناول الجميع وخاصة السلاح الثقيل بأيدي المليشيات المتطرفة والتي تحاول السيطرة على ليبيا وإعادتها إلى العصور الحجرية. ويقول رئيس مركز السياسة الأمنية بجنيف فرانسوا هايزبورغ، إن المليشيات تفرض قانونها ودويلاتها وتصنع وضعا متناقضا على الأرض كأنه إقرار بسلطة المليشيات في محاولة من جهة فرض خيار «جهنمي» على الوضع العام ومن جهة صنع «عزاء» متناقض لاستمالة القبائل وصنع حدود دويلات ليس لدولة القانون فيها مكان. ومن المؤكد أن الوضع في ليبيا أصبح معقدا جدا وخطيرا، فكل المعطيات توحي بأن المليشيات المتطرفة تحاول إحكام سيطرتها على ليبيا وتصدير تلك الفوضى لدول الجوار كالجزائر وتونس. ويقول فرانسوا هايزنبورغ، إن تجزئة ليبيا تتقاسمها عشرات المليشيات والجماعات المسلحة وأصحاب المصالح المتباينة. فالعنف الذي يجتاح البلاد هو شرارة الشعلة التي أخمدت لفترة قصيرة لتهب ريح طفيفة فتوقضها. بيد أن المحلل السياسي الليبي ناصر بلحاج، يرى أن الوضع الأمني المتأزم في ليبيا مرتبط ببعضه البعض، ويضيف أنه لا يمكن فصل أمن منطقة الساحل كله عن ما يحدث في ليبيا، فكل الدول المجاورة معنية. من جهته، يرى محمد أمين عبد النبي المختص في السياسة الدولية من العاصمة النمساوية فيينا، أن الأزمة في ليبيا لها سوابق تكمن في التدخل الغربي الذي وجه ضربات استراتيجية لمجموعة من الأهداف الاستراتيجية العسكرية في ليبيا ولم يأخذ في الحسبان التطورات اللاحقة، كما أن انسحاب الغرب مع الحلف الأطلسي من ليبيا موكلين الليبيين لمصيرهم كان من أسباب تدهور الوضع الأمني -على حد قوله. ويضيف، رغم تولي المجلس الوطني الانتقالي السلطة في ليبيا باعتباره السلطة المعترف بها بعد نظام القذافي، إلا أن النتائج كانت مخيبة لتطلعات الشعب الليبي في الحرية والديمقراطية، وبعد أن نجحت السلطات الحالية بسط سلطتها انتقل الصراع إلى مرحلة أكثر ضراوة. ومن المؤكد أن الصراع في ليبيا تحول إلى صراع ميلشيوي على بلد يملك ثروات وموقعا جغرافيا، فليبيا تعاني من تدهور حقيقي من عدم وجود قدرات سياسية واقتصادية وأمنية تقود البلاد إلى بر الأمان.