توقع محمد الرشيدي أن السباك الذي أحضره لتنفيذ أعمال السباكة في منزله سيؤدي المهمات المنوطة به على أكمل وجه، غير أنه ما أن سكن في الفيلا الخاصة به حتى بدأت مشكلات السباكة، فاضطر إلى الاستعانة بشركة متخصصة، لترميم المشكلات التي أحدثها السباك غير المتخصص، وهناك الكثيرون الذين يتعرضون للنصب من قبل أدعياء العمل الحرفي من سباكين وفنيي كهرباء وبنائين إلى غيرهم من الحرفيين، الأمر الذي جعل العديد من المواطنين يؤكدون أن الضرورة تقتضي تنفيذ حملات تفتيشية لتصحيح أوضاع الأصابع العشوائية في سوق الحرفيين. «عكاظ» التقت بعدد من الحرفيين الذين أوضحوا أن الخبرة تعد الورقة الرابحة في المهن اليدوية، غير أن العديد من المواطنين يؤكدون أن الأصابع العشوائية تخرب ميزانياتهم لأن الحرفي غير الماهر لا يحسن الصنعة، الأمر الذي يجعل صاحب العمل يستخدم متخصصا لترميم الأخطاء في البناء والسباكة والكهرباء وغيرها من الأمور الحرفية. وفي هذا السياق أوضح حسن دبوس (سباك) أن الشهاد مجرد حبر على ورق وأن الخبرة هي الأساس. مؤكدا أنه لا يمتلك شهادة لمزاولة هذه المهنة، ولكن الخبرة التي يمتلكها كافية - وفقا لقوله. كما ويعترف بدقة مهنة السباكة، وبأنها تحتاج إلى شخص متخصص، ومتفهم جيدا لطبيعة عمله، ومتمكن منه. ويقول إبراهيم رامي (دهان): «أعتقد أن الكثير من الدهانين لم يدرسوا هذا الجانب، ولكنهم تعلموا بالتجربة والممارسة. وبالنسبة لي تعلمت أصول هذه المهنة على يد والدي منذ صغري، أما تخصصي فهو بعيد تماما عن عملي، حيث أحمل دبلوم تجارة. ولكن من الذي يعمل في تخصصه في الوقت الحالي؟». ويقول خالد شحاتة (كهربائي): «لم أجد وظيفة واضحة أستطيع أن أعمل بها أثناء قدومي للمملكة، لكوني لا أحمل شهادة جامعية، فجربت العديد من المهن، عملت سائقا لمدة عامين في مدينة الطائف، ثم انتقلت إلى جدة، وعملت في بادئ الأمر حارسا في إحدى العمائر، قبل أن أتعلم من صديقي الصنعة، وأعمل كهربائيا». ويقر بأن هذه المهنة على وجه التحديد تحتاج إلى تخصص، وشخص يعرف نتيجة كل حركة يقوم بها، غير أنه يرفض أن يتم حصرها على المتعلمين والمتخصصين فقط. ويحكي ممدوح بافيل عن موقف تعرض له، إذ يقول «قمت قبل فترة قريبة بإصلاح سيارتي في إحدى الورش، وبدلا من استلامها في حال أفضل، تسلمتها في وضع أسوأ مما كانت عليه، حيث إن العامل أخطأ في تركيب بعض القطع وفي معالجتها، وتبينت تلك النتيجة بعدما عرضتها على شخص متخصص في هذا الجانب. وحين واجهت العامل بأخطائه اعتذر، واضطررت في نهاية الأمر لمسامحته». ويقول محمد الزهراني «نحن لا نحتاج إلى حملة لتصحيح أوضاع العاملين فقط، بل نحتاج أيضا حملة لتصحيح أوضاعهم المهنية، والتدقيق بشهاداتهم، وعدم السماح لأي عامل بمزاولة مهنة غير متخصص فيها، لاسيما أن بعض المهن الخطأ البسيط فيها قد يكلف الكثير». ويمضي قائلا: «فكثير من الأبنية التي يتم إنشاؤها، والمشكلات التي نشاهدها في الطرق من تشققات وأخطاء فنية سببها الاستعانة بتلك الكوادر غير المؤهلة أو ضعيفة التأهيل، مما يجعل من الأهمية بمكان فتح هذا الملف ومعالجته». ومن جانبه يقول خبير التنمية البشرية الدكتور طارق السلمي «للأسف فإن نسبة كبيرة من العمال العاملين بالمملكة ليسوا متخصصين، ولا يحملون شهادات دقيقة في التخصصات التي يمارسونها، على الرغم من كون بعض تلك التخصصات تحتاج إلى التخصص الدقيق، والإلمام الكامل بها. أي أنها تحتاج إلى شخص متعلم متخصص، بكل ما تحتويه الكلمة من معنى، وهذه هي الإشكالية التي تعاني منها الكثير من المهن في سوق العمل. فالمفترض أننا حينما نستعين بكوادر من الخارج تكون تلك الكوادر مؤهلة، وعلى درجة عالية من الكفاءة لنستفيد منها، وإلا ما الداعي لاستقدامها». من جانبه أوضح الخبير الاجتماعي طلال الناشري أن ملف التخصص شديد الأهمية، ومن المفترض أن يشغل كل شخص الموقع المناسب له، لأن إنتاجية العامل المتخصص ستكون أفضل في هذه الحالة. أما القول بأن تلك التخصصات لا تتطلب شهادة أو دراسة، ولا تتطلب سوى خبرة وممارسة فهذا قول مغلوط، لأن الجانب التطبيقي يحتاج إلى النظري، والجانب العملي يحتاج إلى التعليمي، لكي يكون الشخص ملما بشكل كاف بالتخصص الذي يعمل فيه. إننا اليوم في عصر المعلومات الذي يعتمد على التخصصات الدقيقة. ومن يتأمل سوق العمل اليوم، وينظر للعاملين في تلك المهن، سوف يدرك نوعية العمالة التي نستقطبها من الخارج، التي تعاني من ضعف التأهيل، ويفتقر الكثير منها إلى جودة الأداء والتخصص والإلمام الكافي بطبيعة المهن التي يشغلونها.