قبل انتخابات 2010 بشهرين زرت مصر المحروسة، وباعتبار أن العبد الفقير كان يتردد على مصر، فإنه لاحظ في تلك المرة أن البلد يعيش حالة من العشوائية الاقتصادية والسياسية، وأن السلطة المركزية لا تعي ما يدور حولها، ولم أشأ توجيه النقد المباشر لنظام الحكم، حيث أن الكاتب الفلسطيني كان يبتعد عن نقد بعض الأنظمة بناء على توصية من الرئيس الشهيد أبو عمار؛ لأنها العمق الاستراتيجي للقضية الفلسطينية، وجاء الرئيس أبو مازن وزاد عليهما؛ لأن المهم هو القضية الفلسطينية وليس التدخل في شؤون الآخرين. ونشرت المقال آنذاك في صحيفة «الحياة الجديدة» التي كنت رئيسا لتحريرها، وفيه أشرت إلى لقاء تلفزيوني مطول مع جمال مبارك تحدث عن تنشيط الحزب الحاكم والخروج إلى القرى والتجمعات السكنية، وقلت بالحرف الواحد إن مصر أكبر من أن يحكمها حزب واحد بل تحالف أحزاب، وأن مصر بحاجة إلى ثورة شباب؛ لأنها وصلت ما يشبه الحضيض عندما يقف ناطق إعلامي باسم حماس في غزة ويهدد مصر، وعندما تصرف الدولة 50 مليار جنيه سنويا لدعم وقود السيارات وتخلق أزمة مرور حادة تطرد رجال الأعمال وتعطل عجلة العمل، وهذا المبلغ يكفي لبناء خمس مدن جديدة سنويا لإفراغ القاهرة من الهوامش السكنية والسكانية الخدماتية التي لا ضرورة لها، وتوجيهها إلى القطاع الإنتاجي الزراعي والصناعي. واستغربت كيف أن هرما صناعيا صغيرا في مدينة لاس فيغاس الأمريكية يزوره 40 مليون سائح سنويا، بينما أهرامات مصر العظيمة لا يزورها ربع هذا العدد؟ ولم أفاجأ بالثورة بعد ذلك لتوقعي لها، بل أهديت نسخة عن ذلك المقال إلى السيد عمرو موسى في أبريل 2011. مصر تنهض من كبوتها الآن لأن نهوضها نهوض للأمة ككل. ونعرف أن أي مشروع نهضوي تنموي مصري سيتعرض للتآمر. حدث ذلك أيام محمد علي باشا عندما تناسى البريطانيون والفرنسيون والأتراك، وكانوا في حالة عداء، خلافاتهم وتحالفوا ضد محمد علي؛ لإنه صاحب مشروع نهوض وبناء دولة. والتحالف نفسه الغربي الإسرائيلي على جمال عبدالناصر؛ لأنه وضع برنامجا تنمويا طموحا لبناء مصر، فلم يكن لدى عبدالناصر أية نية عسكرية ضد إسرائيل، بل توجه اقتصادي تنموي. وأجبروه على الحروب وخوضها، بسبب مشروعه النهضوي. والآن هناك في مخيلة رجال مصر مشروع مماثل ليبدأ بالأمن في رحلة الألف ميل لبناء مصر، العدل والمساواة، ولكن هل يترك الأعداء مصر؟ أظن أن الشهور المقبلة ستكون قاسية جدا، بل الأقسى في تاريخ الثورة المصرية 25 يناير و30 يونيو؛ لأن المتربصين ما زالوا يأملون في إعادة حكم الإخوان، ولكن هذه المرة دون خطوط حمراء؛ لأنها فرصتهم الأخيرة في تقويض الانتخابات بالدم، حتى يبقى التشكيك في شرعيتها قائما ومبررا لمواصلة الإرهاب داخل مصر. فاجتياز عتبة الانتخابات بسلام هو الهدف المصري الآن.