في زيارتي لمعرض الكتاب بالبحرين من أسبوعين، صعدت معنا إلى الطائرة شابة صغيرة صافحتني في خجل. سألتها عن اسمها فقالت أسماء الشيخ من الاسكندرية. سألتها: هل تسافرين معنا إلى المعرض؟ قالت: نعم. سألتها: هل أنت كاتبة يا أسماء فازداد الخجل جدا على وجهها، وقالت: نعم وأنها مشتركة في «محترف نجوى بركات»، قلت لها ضاحكا لم تخبرني نجوى بهذا المحترف من قبل لها معي حساب. والحقيقة أنني سمعت من قبل عن هذا المحترف وضاعت مني القدرة على متابعته كما ضاعت القدرة على متابعة أشياء كثيرة تحدث خارج مصر؛ لأننا في مصر كما يقول المثل: «اللي فينا مكفينا»، عرفت منها أن المحترف الذي هو ورشة لكتابة الرواية ينشر في دورته الثانية هذا العام سبع روايات عن دار الآداب بدعم وتعاون من وزارة الثقافة البحرينية ووزيرتها الشيخة مي بنت محمد آل خليفة. لم أكن التقيت بالروائية نجوى بركات من وقت بعيد. كان مؤتمر الرواية الذي يقام في مصر قبل الثورة كل عامين قد توقف بعد ثورة يناير وحتى الآن سيقام هذا العام في أكتوبر القادم إذا لم تحدث ثورة جديدة في مصر!!، وكان المؤتمر الفرصة الكبيرة أن نرى أصدقاءنا من الكتاب من كل العالم العربي، خصوصا أن المؤتمر كان يتميز باستضافة عدد كبير لا يمكن استضافته في بلد عربي آخر تحت عنوان واحد رواية أو شعر أو قصة قصيرة. في كل مرة كان الضيوف من الخارج لا يقلون عن خمسين كاتبا. وجدت بالمعرض السبع روايات وهي «مقهى سيليني» للكاتبة المصرية أسماء الشيخ بنت مدينتي الاسكندرية و«الزيارة» لرنوة العصمي من البحرين «والتي تعد السلالم» لهدى محمد من عمان، و«جارية» لمنيرة سوار، و«مداد الروح» لأيمن جعفر من البحرين أيضا، و«فندق بارون» لعبدو خليل من سورية، و«بردقانة» لإياد برغوثي من فلسطين. كان هناك حفل إعلان الفائزين حضرته طبعا نجوى بركات صاحبة المحترف وفكرته، ووزيرة الثقافة، ورنا إدريس ممثلة لدار الآداب. تحدثت نجوى عن كيف كانت هذه الكتب السبعة حصاد جهد لم يتوقف لعام كامل من اللقاءات والاتصالات بين أعضاء المحترف، وكيف انتهى الأمر إلى هذه الكتب السبعة باختيار الشاعر قاسم حداد والشاعر والروائي عباس بيضون. وأعلنت رنا إدريس الرواية المختارة كأحسن عمل من السبعة أيضا المختارين كأحسن الأعمال، وكانت رواية «مقهى سيليني». لا أكتمكم أني شعرت بالسعادة رغم أني وقد قرأت شيئا من الروايات الأخرى رأيت فيها جميعا كتابة حقيقية. لم أنظر إلى تعريف الكتاب على الأغلفة ونظرت الآن فقط وأنا اكتب المقال فوجدت بعضهم قد سبق له كتابة القصة والرواية. بل إن السوري عبدو خليل صاحب «فندق بارون» فنان تشكيلي ترك سورية مثل الآلاف الذين تركوها من الكتاب والملايين من البشر. كذلك رنوة العصمي البحرينية سبق لها كتابة الشعر، وتبدو هدى محمد العمانية التي عرفتها من قبل كاتبة للقصة القصيرة أكثرهم في الإنتاج السابق، فلها ثلاث مجموعات قصصية ورواية، بينما لإياد برغوثي الفلسطيني تجارب مسرحية، بينما منيرة سوار هي الوحيدة تقريبا التي لها روايتان من قبل. ليس هذا تعريفا بهم وإن بدا كذلك، لكن الأهم هو أن بعضهم جاء من الشعر والمسرح والفن التشكيلي، وهكذا تبدو الرواية جاذبة بقوة لكل الأدباء ومن كل المجالات. تذكرت أنه في مصر كثيرا جدا ما تقام ورش لكتابة الرواية، لكن هذه الورش لا تزيد على محاضرات في فن الرواية ولا تسعى إلى اكتمال التجربة بإصدار الأعمال؛ لأنها في الأغلب لا تستمر غير عدة أسابيع ربما لا تتعدى الشهر الواحد، ولقد ساهمت في بعضها مما أقامته بعض دور النشر أو بعض الجمعيات الثقافية الأهلية، واندهشت كيف حقا لم نفعل ذلك في مصر. لا بد لأنها ورش يحضرها مصريون فقط، فلا تجد داعما لها لتستضيف كتابا من خارج مصر، وربما لأنه هكذا جرى الحال في مصر، فعدد الكتاب كبير جدا ويزداد كل يوم والرواية تجذب العشرات من المجالات الأخرى أدبية أو صحفية أو سياسية أيضا، حتى أنني صرت لا أقابل إلا روائيين في أي مكان، وحين أقابل شعراء شباب أجدهم يبتسمون ويقولون إنهم قرروا كتابة رواية. ترتبط البسمة بالرواية فابتسم! وطبعا أشفق على النقد والنقاد الذين لن يستطيعوا متابعة هذا الزخم. أعود لأقول إنه جوار سعادتي بهذا الإصدار لسبع روايات كانت سعادتي بأني هذا العام قرأت ثلاث روايات لثلاث كاتبات من الإسكندرية. الأولى هي «يتامى الاسكندرية» لزينب ظاظا، والثانية هي «نص هجره أبطاله» لدينا عبدالسلام، ثم أخيرا «مقهى سيليني» لأصغرهن عمرا أسماء الشيخ. سعادتي من أن الروايات الثلاث تدور وقائعها في القرن الماضي حين كانت الاسكندرية مدينة العالم التي تعيش فيها كل الأجناس وكل الأديان وتمتد مساحة الزمن في القرن الماضي حتى الستينات. حيث بدا التحول الكبير في الاسكندرية بعد ذلك لتفقد روحها العالمية أو الكوزموبوليتانية. هو أمر أخلصت له في عمري وانتهيت به إلى ثلاثية الإسكندرية، لكن أن تتوقف عنده كاتبات ثلاث أمر أسعدني جدا. سعادتي كانت كبيرة من قبل حين قرأت يتامى الإسكندرية وترسخت السعادة حين قرت نص هحره أبطاله، وهأنذا أعود إليها أو تعود ألي بعد قراءة مقهى سيليني. في الحقيقة ينشغل كثير من كتاب الإسكندرية من الرجال باسكندرية الآن. أو منذ الثمانينات. وهو أمر طيب لكن هاهن الكاتبات يبعثن تاريخ المدينة الجميل حتى لو كان من بقي منه يتامى بعد رحيل الأجانب أو هجروا المدينة كما هجرتها صاحبة النص التي ماتت والمدينة معها، فتركت نصها الروائي والمدينة بين صفحاته، ففي كل الأحوال يعود إلينا وترسخ عودته «مقهى سيليني». الماضي الجميل للمدينة يعود عبر نصوص جميلة الشكل والبناء يتسع الحكي لاتساع الفضاء في يتامى الإسكندرية، ويختزل الحكي وتطل منه الصورة السينمائية عبر نص هجره أبطاله، ويتدفق حكي العمل الأول عبر مقهى سيليني. الحقيقة أن الإسكندرية التي كانت عروس البحر كان لا بد أن يأتي يوم وتقف عرائسها من الكاتبات على شواطئها الضائعة. فشكرا لمحترف نجوى بركات، وشكرا لكاتبات إسكندرية المجيدات من أعمار مختلفة اللاتي يعدن بالمدينة في أبهي صورها وأرقها. وسأتفرغ لقراءة بقية روايات المحترف آملا من الحياة المصرية أن تتوقف قليلا لتساعدنا على البهجة.