كانت إحدى الأمهات تتحدث معبرة عن حيرتها في كيفية التعامل مع طفلها ذي السبع السنوات، فهي كما تقول بالرغم من كونها صارمة معه ودائما تعاقبه على اخطائه سواء بالتوبيخ أو الضرب أو الحرمان إلا أن سلوكه يسير إلى الوراء فيزداد سوءا بدلا من أن يتحسن، لذلك هي تشعر بالقلق خشية أن تفشل في تربيتها له خاصة أنه يتيم الأب وهي المسئولة كليا عنه. كانت المرأة تتحدث بصدق وشفافية حول معاناتها مع الطفل رجاء ان تجد نصيحة أو توجيها يعينها على مواجهة تلك الأزمة، لكنها بدلا من ذلك تلقت من صديقة لها كانت بين الجالسات، تعليقا اصابها بالوجوم محدثا في نفسها الغم والاحباط، قالت مظهرة التعاطف: «الله لا يلومك، تربية الأولاد صعبة، الولد ما يربيه إلا أبوه!» هكذا صاغت تلك المتعاطفة خلاصة تجربتها، فعللت معاناة الأم في تربية الطفل بسبب كونها امرأة، والولد يحتاج الى رجل يربيه لا امرأة !! لم تندفع بعض النساء إلى اعتناق مفاهيم يرددها الرجال فيتبنينها مؤمنات بصوابها حتى وان كانت بعيدة عن الحق ؟ صحيح أن الطفل في حاجة الى وجود نموذج ذكوري يحاكيه ويدخله إلى عالم الرجال، لكن التربية ليست هذا فقط، فهذه الأم تتحدث عن أزمة تربوية يمكن أن يمر بها الأب مع طفله وليس الأم وحدها، وهذه الأم لفرط حرصها على حسن تربية الطفل شعرت بالقلق، غيرها ممن لا يفكرون كثيرا أو قليلا في اسلوب تعاملهم مع اطفالهم لا يصيبهم مثل هذا القلق ويستمرون في ممارسة أساليبهم التربوية دون تساؤل ان كانت صحيحة أو غير ذلك. معظم مشكلات السلوك عند الأطفال تنجم من اسلوب تعامل الأهل معهم، فالطفل يكون صورته عن ذاته من خلال نوع التفاعل بينه وبين الكبار، وهذه نقطة مهمة جدا، لأن تلك الصورة التي يكونها الطفل عن ذاته في الطفولة تظل هي الأساس الذي يحدد نجاحه أو فشله فيما بعد في خوض الحياة. والتركيز على العقوبة في تعديل السلوك هو من أقل الأساليب نجاحا حتى وان ارتدع الطفل مؤقتا، فمن المتوقع أن يعود إلى ما نهي عنه متى أمن وجود الرقيب، فضلا عن أن كثيرا من الدراسات التربوية تشير إلى أن العقوبة تصيب الطفل بالغضب تجاه من أوقعها به، وهذا الشعور بالغضب يؤدي إلى تخفيف احساسه بالذنب تجاه الخطأ الذي وقع فيه، فيتخذ موقفا دفاعيا يبرر به فعلته ويولد لديه التحدي، ولعل هذا ما حدث لطفل تلك المرأة التي حسب كلامها بدت مسرفة في معاقبته ومرتكزة كثيرا على اسلوب العقاب في التربية. العقاب ليس غاية وانما وسيلة، لذلك يجب أن يكون في آخر قائمة الوسائل الاصلاحية بعد أن تستنفد كل الطرق الايجابية في تعديل السلوك، كتعليم الطفل ضبط الانفعالات والتحكم فيها، والتأمل في نتائج السلوك السيئ وما فيه من قبح كي يعافه الطفل ويشعر برداءة ما أقدم عليه، مع طرح البدائل الصحيحة للسلوك الخاطئ، أخيرا فإن العقاب يجب أن يكون مربوطا بالخطأ الذي وقع، حتى يشعر الطفل أنه عوقب لسوء التصرف وليس لغرض الإهانة أو التسلط.