يبدو أننا في المستقبل القريب سننظر إلى ما كنا نكشفه من أمور حياتنا الخاصة على شبكات التوصل الاجتماعي باعتبارها إحدى شطحات النشاط البشري، تلك الشطحات التي تأخذ وقتها ثم تندثر باعتبارها خروجا عن أصول الحياة البشرية، والتي يعتبر المحافظة على خصوصية الإنسان أمرا متأصلا فيها. وربما ساعد على تلك العودة للطبيعة البشرية السوية انتشار تطبيقات مثل سناب شات. ولعل الكثيرين لم يستخدموا سناب شات، والذي قدمت فيس بوك عرضا – تم رفضه - لشرائه بمبلغ 3 مليارات دولار. فهو يبدو لأول وهلة أنه أبعد ما يكون عن المحافظة على الخصوصية، فما هو إلا تطبيق على الأجهزة النقالة يتيح لمستخدميه إرسال صور ومقاطع فيديو ونصوص، ويتم حذفها في غضون 10 ثوانٍ من فتحها للمشاهدة. إلا أنه أعمق قليلا من ذلك، فهو لا يقوم بجمع بيانات مستخدميه ثم بيعها للمعلنين مثل ما تفعله أي شركة إنترنت، وهذا أمر غير مألوف في عالم «البيانات الضخمة»، وذلك لأهمية تلك البيانات في إجراء التحليلات التنبؤية التي تقوم بتحويلها إلى معرفة تمكن الجهة المالكة لها من تحقيق ميزات تنافسية واتخاذ قرارات استباقية. وقد وصل عدد مستخدمي سناب شات - الذي تم إطلاقه منذ عامين فقط - إلى 26 مليونا قاموا بإرسال 350 مليون صورة يوميا، في مقابل 10 ملايين منذ عام مضى. كما ظهرت العديد من التطبيقات - المماثلة ل سناب شات – والتي جذبت ملايين المستخدمين في أنحاء العالم، مثل وي شات في الصين ويبلغ عدد مستخدميه 300 مليون في الصين ومليون على مستوى العالم، ولاين في اليابان الذي قفز مستخدميه من 50 مليونا إلى 250 مليونا في خلال شهرين، وهو ما يشير إلى توجه متزايد نحو الحرص على الخصوصية الذي تزداد وتيرته يوما بعد يوم، وخصوصا بين جمهور الشباب الذين أصبحوا يدركون الآن - بعد سنوات من استخدام فيس بوك - أن بياناتهم قابلة للبحث بواسطة جوجل، وأن نشر البيانات والأمور الخاصة بدون حرص قد يسبب لهم أضرارا شخصية وعملية في المستقبل. وقد ظهرت إشارات دالة على ذلك. فقد أظهرت دراسة بحثية على المراهقين في أمريكا أن 26 % ممن شملتهم الدراسة قاموا بإلغاء تطبيقات على أجهزتهم النقالة لأنها تجمع المعلومات الشخصية لهم. وأظهرت دراسة أخرى أن 43 % ممن شملتهم الدراسة «قلقون للغاية» بشأن الخصوصية على الإنترنت، وذلك في مقابل نسبة 35 % في العام السابق. ويبدو أن هذا الأمر كان له بعض التأثير على فيس بوك، حيث أشار أحد مسؤوليها إلى حدوث تراجع في الاستخدام اليومي وخصوصا من شريحة المراهقين. ولا يعني هذا أن تطبيقات مثل سناب شات تنافس فيس بوك، فهو عملاق شبكات التواصل الاجتماعي الذي يبلغ عدد مستخدميه 1.2 بليون على مستوى العالم، ولكنه يعني أن ظهور التطبيقات التي تحافظ على الخصوصية يمثل توجها لا شك أنه سيتصاعد بصورة كبيرة. * أستاذ علم المعلومات - جامعة الملك سعود، عضو مجلس الشورى