أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي لأصحاب الرؤى المتقاربة والإيديولوجيات المشتركة فرصة التلاقي والتواصل. وقد كانت إمكانية التقائهم إنجازا مع دخول الإنترنت إلى العالم العربي في التسعينات، ثم انتشار المنتديات الإلكترونية بكافة أنواعها وعلى اختلاف اهتماماتها وتوجهاتها.. لكن الحاجة إلى المنتديات انتفت بعد اختراع فيسبوك وتويتر، حيث أصبحا المنصة الكبرى التي تضم كل التجمعات والتكتلات الافتراضية الأخرى. ومع الوقت أصبحت المساحة التي تتيحها تلك المواقع تؤسس لاتجاه جديد في طبيعة التفاعلات الافتراضية. فبالرغم من اتساع مواقع التواصل الاجتماعي لكل أطياف الاختلافات والتوجهات، إلا أنها تقوقع كل جماعة على نفسها. فينحصر التواصل بين أفراد الإيديولوجيا أو الاتجاه الواحد، وتنقطع الروابط بينهم وبين المجموعات الأخرى خارجها. وهكذا يصبح أفراد المجتمع، وكأنهم دوائر كثيرة مغلقة على نفسها لا تحيطها أي ممرات أو منافذ إلى أي دائرة منها! فحتى الذين يؤمنون بحقهم في حرية الفكر والرأي، باتوا غير قادرين على رؤية الاختلاف ناهيك عن احترامه أو التعامل معه كحق طبيعي وواقع معاش. وقد رأينا كثيرا من «الفيسبوكيين» و«التويتريين» يحذفون كل من لا يتفقون معهم في الفكر والإيديولوجيا، فهم لا يتحملون رؤية أفكار وتعليقات أصحاب الإيديولوجيا المضادة حتى لو عبر عنها أولئك بشكل حضاري. وهذا لا يقتصر على المستخدمين العاديين بل يشمل المثقفين والكتاب أيضا. إن التبعات الاجتماعية للإقصاء الافتراضي للمختلف كارثية. فعندما يصطدم الإقصائيون بالواقع ويكتشفون أن الاختلاف مازال وسيظل موجودا بينهم، إذا بهم يرجعون إلى تكتلاتهم الافتراضية ليوفروا على أنفسهم عبء التعامل مع أي فكر مختلف! وهكذا يعيشون مع تلك التكتلات تحاشيا لحملات التشهير والتخوين والتكفير التي تطفح بها مواقع «الإقصاء الاجتماعي» بكافة أطرافها الإيديولوجية! إن الاختلاف الفكري والتنوع الثقافي هما لبنة أي حضارة إنسانية. وحرية التعبير عن الفكر والرأي هي حق بديهي مكفول للجميع دون محاباة أو تفرقة. لكن لابد ألا نسمح للإقصائيين باستخدامنا في حروبهم الإيديولوجية التي يؤججونها دوما باسم الحرية! ألم نكن قبل شعارات الحرية هذه، شعوبا قادرة على التعايش السلمي بين كافة أطياف مجتمعاتها واختلافاته الدينية والمذهبية والثقافية والاجتماعية! إن حرية الاختلاف التي لا تؤدي إلى تعايش المختلفين هي حرية شعاراتية زائفة. ولهذا تحولت شبكات التواصل الاجتماعي من ساحات تنادي بالحرية إلى معاقل للتعصب والطائفية والعنصرية والقبلية أكثر من أي شيء آخر!.