تعاني المدن الرئيسية في المملكة مثل الرياضوجدة والدمام عددا من المشكلات البيئية التي نتجت عن الضغوط التي تتعرض لها البيئة يوما بعد آخر في ظل تنامي النهضة العمرانية والصناعية، ولعل من أبرز هذه المشاكل هو تردي نوعية الهواء بسبب انتشار مصادر حرق الوقود، وانبعاثات المعامل والمنازل وحرق النفايات والدخان والغازات المنبعثة من المصانع، والتلوث الناجم عن عوادم المركبات والتي تعد من أبرز المخاطر التي تهدد البيئة، وتأثيرها المباشر في تلوث الهواء، وخصوصا تلك السيارات القديمة وسيارات الديزل «ناقلات وحافلات» التي تجوب شوارعنا، نظرا لتزايد أعدادها في السنوات الأخيرة من مختلف الموديلات والأشكال والأنواع، حتى أصبح خطرها على البيئة في تزايد مستمر. إن أكثر أسباب التلوث الجوي هو الناجم عن الغازات التي تنفثها عوادم السيارات والتي تعد العامل الرئيس في تلوث الهواء والذي تصل نسبته إلى حوالي 70% من حجم عوامل التلوث الأخرى. مما يؤثر على الإنسان والصحة العامة نتيجة العلاقة التي أثبتتها عدد من الدراسات بين عادم السيارات كأبرز مصادر التلوث الهوائي من جهة وبين أمراض الرئة والصدر والجهاز التنفسي من جهة أخرى. وحسب إحصائية نشرت قديما عام 2009م لهيئة تطوير مدينة الرياض وصل عدد السيارات في مدينة الرياض وحدها إلى 985 ألف سيارة مع العلم أن هذا الرقم لا يشمل السيارات الحكومية وسيارات المجمعات السكنية، فكم تتوقعون عددها اليوم؟! وبحسب الإحصائية نفسها فإن متوسط ملكية السيارات الخاصة في الرياض يكون بنسبة 1.6 سيارة لكل أسرة، حتى أصبحت الرياض غابة للسيارات الأمر الذي يؤكد نتائج دراسة أجريت مؤخرا بينت تدني جودة الهواء في مدينة الرياض خلال السنوات الماضية بسبب زيادة حركة النقل داخل المدينة، وازدياد عدد السيارات إلى جانب الأنشطة الملوثة الأخرى. هذه الإحصائيات والأرقام المهولة التي تشير إلى التنامي المتزايد في أعداد السيارات تجعلنا نستشعر حجم المشكلات الكبيرة والمتفاقمة والتي لعل من أبرزها الازدحام والحوادث المرورية والتلوث البيئي والضغط على مرافق الطرق والبنية التحتية فضلا عن الإنفاق المتعاظم على استيراد السيارات من موارد الدولة. أقولها وللأسف أنه أصبح من المألوف وخلافا على كل المدن الحضارية التي نزورها أن ترى في شوارعنا سيارات تصدر دخانا كثيفا خلال سيرها على الطرقات، أو أن تقف عند إشارة فتجد سيارة قديمة أو ناقلة يضخ سائقها باتجاهك ذلك الدخان الكثيف والسام فيجبرك على استنشاقه وتحس معه بالاختناق من دون رقيب أو حسيب، فلماذا لا يتم اتخاذ الإجراءات الرادعة ومن المسؤول عن ذلك. من المفارقات أنني لازلت أتذكر حينما كنت طالبا في المرحلة الثانوية، قرأت حينها في جريدة أتذكرها جيدا بأن هناك تنظيما وأصدرت إجراءات تلزم أصحاب المركبات بوضع صفايات هوائية للشكمانات وإلزامها بجعل عوادمها إلى السماء وتم تطبيقه في ذلك الوقت، لكن الواقع اليوم غير ذلك ولم يعد هذا النظام يذكر أو يطبق أو يعرف!! ولا أدري هل لأن من اعتقد بأهميته قد مات أو تقاعد فمات القانون وانتهى بموته أو تقاعده؟! إنني في هذه العجالة أتمنى على الجهات المعنية أن تتخذ التدابير اللازمة والقوانين التي تحمينا وتحمي مدننا وبيئتنا من خطر هذه الغازات والاستفادة من تجارب الآخرين الذين يولون اهتماما كبيرا ببيئتهم ومدنهم فهذه أمريكا على سبيل المثال تم استصدار قانون أسمته بقانون الهواء النظيف يضع مواصفات لنوعية الهواء وانبعاثات السيارات والمصانع ومحطات توليد الطاقة وغيرها، كما يتضمن تزويد السيارات بأجهزة تقنية الوقود بهدف تقليل انبعاث عوادم السيارات، ففي سنغافورة كإحدى البلدان المهتمة بالحفاظ على البيئة قامت بإلزام جميع وكلاء السيارات بتوريد المحركات المزودة بالمحفز، ومنعت البترول المزود بالرصاص ووضعت قانونا لتركيب محفزات خاصة بالديزل، وفي كثير من الدول عمدت السلطات لمواجهة مشكلة التلوث في وضع خطة لأصحاب السيارات القديمة بتبديل سياراتهم بسيارات حديثة تنتجها مصانع السيارات المحلية تفاديا لانبعاث مقادير كبيرة من الغازات والأدخنة الضارة من سياراتهم المتهالكة والقديمة. ويبقى السؤال كيف ومتى نرى تنظيما وحلولا مبنية على التقنية الحديثة للحد من خطر عوادم السيارت والاستفادة من تجارب الآخرين حتى تصبح مدننا نظيفة وصحية نتباهى بها بين مدن العالم، ودمتم سالمين.