أبو الفتح كشاجم، شاعر عباسي معروف، و(كشاجم) كلمة غريبة، حين قرأتها لأول مرة ظننتها اسما غير عربي خاصة أن صاحبها سندي الأصل، لكني عرفت فيما بعد أن كشاجم لقب يمثل الحروف الأولى من الفنون التي برع فيها وهي (الكتابة والشعر والإنشاء والجدل والمنطق). فكشاجم أديب مشهور له مؤلفات عديدة لكن ليس هنا موضع الحديث عن ذلك، هنا اكتفي بالحديث عن الطريف من شعره مثل بعض الأبيات التي يرثي بها أشياء يحبها، ومنها رثاؤه لكوب زجاجي كان يملكه وتربطه به علاقة حميمة ومنافع كثيرة، إلا أن القدر فجعه في كوبه الغالي وتركه يسقط أمام عينه شظايا متناثرة لا حياة فيها: عراني الزمان بأحداثه،، فبعضا أطقت، وبعض فدح وعندي فجائع للحادثات،، وليس كفجعتنا بالقدح أقلب ما أبقت الحادثا،،ت منه، وفي العين دمع يسح. ما هو أطرف من هذا، رثاء كشاجم للمنديل الذي كان يستخدمه ويعتمد عليه في إنجاز مهام كثيرة. وما يقوله في وصف فوائد المنديل وإنجازاته النافعة، يعطينا معلومات كثيرة عن أسلوب العيش في عصر كشاجم في القرن الرابع الهجري، فمن خلال ما ورد في تلك الأبيات نعرف أن الناس في ذلك الزمن اعتادوا أن يستخدموا المناديل لطي الرسائل المتبادلة بينهم داخلها، وللف الخواتم أو بعض المجوهرات، فضلا عن استخدامهم المناديل للتلويح بها عن بعد تعبيرا عن التحية، كما نستنتج من هذا أن عادة التلويح بالمناديل عند المغادرة كانت معروفة للناس منذ تلك الأيام وليست أمرا مستحدثا في تخيلات (توحة) عندما تردد (أشر لي بالمنديل وقال أنا ماشي). أما سبب فقد كشاجم لمنديله الغالي فإنه لم يكن نتيجة الضياع ولا لعدوان الزمن وابتلائه المنديل بالاهتراء والتمزق، سبب الفقد هو تعرض المنديل لحادثة اختطاف شنيعة، ولعلو أدب كشاجم وحيائه فإنه لم يحاول استعادة المنديل المختطف على الرغم من شدة تعلقه به، فتركه يغيب عنه مكتفيا بالبكاء عليه: من يبك من وجد على هالك،، فإنما أبكي على دستجه (منديل). جاذبنيها رشأ أغيد ،، فجادت النفس بها محرجة كم رقعة من عند معشوقة ،، ترسل في أثنائها مدرجة إلى تحيات لطاف بها ،، تسكن في مهجة مزعجة وخاتمي يعقد فيها إذا ،، آثرت من كفي أن أخرجه. رغم الهزل البادي في أبيات كشاجم إلا أنه يوصل لنا حقيقة يحس بها البعض منا، وهي ما يحدث لنا أحيانا من تعلق ببعض الأشياء، فنظل نشعر بالألفة نحوها ونكره انفصالنا منها!!.