لم تقف الولاياتالمتحدةالأمريكية دائما مع حلفائها حين احتاجوا لها. وهو الموقف الذي برهنت عليه الوقائع السياسية المعاشة، ولا يحتاج المتابع لضرب أمثلة تؤكد براغماتية السلطة الأمريكية في الانتقال من موقف إلى موقف مناقض تماما، ودرس تخليها عن حلفائها تكرر كثيرا، إذ لم يتصور أحد بأنها ستقدم الشاه لقمة سهلة للثورة الإيرانية، أو أنها ستطيح بصدام حسين من خلال غزو مباشر، ومواقفها المتغيرة مع حلفائها ليست قاصرة على العالم الإسلامي أو العربي فهي التي تتحرك من تحت الرمال وتثور الأرض وتشجع المعارضين على الانقلاب بتقديم المساندة اللوجستية سواء كانت عسكرية أو مالية، ففي غزو خليج الخنازير بكوبا أمدت المعارضة c.i.a بكل الاحتياجات لكي تحدث انقلابا على الزعيم الكوبي كاسترو وعندما فشل الانقلاب، تبرأت أمريكا من أنصارها وتركتهم لمصيرهم، مع أن وزير الخارجية الكوبي آنذاك راؤول روا صرح في جلسة خاصة في الأممالمتحدة قال: (إنني أتهم حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية أمام الرأي العام العالمي بأنها شنت حربا ضد كوبا من أجل أن تمتلك من جديد ثرواتها ومن أجل أن تحول كوبا، مرة ثانية إلى تابع لها).. وتتابعت مواقف التخلي عن الحلفاء كما فعلت مع الجنرال التشيلي أوغستو بينوشيه وكذلك تخليها عن الأنظمة التي ساندتها كما حدث مع النظام في فيتنام والنظام الحاكم في سايغون ولها سلسلة طويلة من المواقف المخيبة لآمال حلفائها.. وقد ظهر موقف التخلي جليا في ثورات الربيع العربي إذ استهدفت سياستها إحلال الفوضى الخلاقة في المنطقة، وهي سياسة تقسيم المجزأ المبنية على سياسة التقسيم التي أحدثتها اتفاقية سايس بيكو، وقد نجحت في إسقاط الجيوش العربية وتحويلها إلى قوى مهشمة، ومع توقف المخطط الأمريكي في مصر فهذا لا يعني بتاتا توقف خطة (الفوضى الخلاقة) فإن فشلت حركة الإخوان المسلمين في تحقيق تلك الفوضى سواء بالثورات أو بالحكم المجرب في (مصر وليبيا وتونس) فبوادر ظهورها بصورة أخرى وسيناريوهات جديدة حدث في اليمن (بتقسيم اليمن إلى أقاليم) وبتقارب البشير مع الترابي (في السودان)، والاحتراب الأهلي في العراق، وضياع بوصلة الدولة في ليبيا، واستمرار الفرقة ما بين حماس وفتح، وإبقاء الفوضى والتدمير في مصر، وهي أحداث تشير إلى أن الخطة ماضية ماضية ما لم تستوعب الشعوب العربية (التي نجت من ويلات الربيع العربي) إلى أهمية الأولويات في حياتها السياسية (والتي بالضرورة تنعكس على بقية النشاطات الاجتماعية والاقتصادية) فمعرفة الأولويات منجاة للأوطان العربية من أن تنقاد على مفاهيم سياسية لها أحقية أن ترفع مطالبة بها لكن وقتها ليس الآن.. ولكيلا أفترق كثيرا عن بداية المقال بتخلي أمريكا عن حلفائها يصبح من الحكمة ضروة تنوع العلاقات السياسية للدول العربية التي تدور في فلك أمريكا وعدم الارتهان لحليف وحيد شيمته التخلي عن حلفائه.. وإن كان هذا واجب الدول فمن واجب الأفراد معرفة المخطط الساعي إلى تقسيم وحدة كل دولة إلى أجزاء تصارع بعضها بعضا ومن هنا تصبح معرفة الأولويات سابقة لكل المطالب، والأولوية الآن المحافظة على الأوطان بنبذ الفرقة والتحزبات والتنادي إلى كل أمر يقود إلى ضغينة تحفز العمل ضد الأمن والسلم.