كنا وما زلنا ننتقد سياسات بعض دول مجلس التعاون الخليجي السلحفائية والمتناقضة أحيانا والمجاملة غالبا التي يفترض أن تعتمد على قانون المصلحة/ المنفعة الوطنية بشكل خاص والخليجية بشكل عام، لتنعكس بشكل إيجابي ومباشر على تنمية ابن الخليج، ليشعر بأهمية التعاون ويحافظ عليه، ويسعى لما هو أكبر: أي الاتحاد. لكن ما حدث أخيرا فاق كل التوقعات تجاه قطر، في مسألة سحب السفراء الثلاثة دفعة واحدة (المملكة والإمارات والبحرين)، وهذا العمل الذي حدث بلا تحفظ ولأول مرة، في زمن يمور بالأحداث والقلاقل والفتن العربية والدولية من هنا وهناك، وليقول بصوت مرتفع: بأن وراء الأكمة ما وراءها الذي أدى إلى نفاد صبر الدول الثلاث، ومن ثم الإقدام على فعل غير مسبوق، الذي يعني لا مجال للعب بالنار أكثر من ذلك. كان ما يميز دول مجلس التعاون الخليجي ظاهريا هو تناغم وتشابه أنظمة حكمها، واعتماد اقتصادها الريعي على النفط والغاز بنسبة لا تقل عن 90%، ووحدة المصير، وتشابه التحديات الوطنية والإقليمية في جميع الدول الست بلا استثناء، إضافة إلى التشابك العائلي ووجود علاقات تصاهر بين أبناء تلك الدول، ووجودها على منفذ مائي قلق ومتنازع عليه منذ عقود.. كان البعض، منذ فترة قريبة ينادي بالاتحاد بدلا من التعاون. أي تعاون وأي اتحاد وبعض مكوناته تعمل الشيء وضده في ذات الوقت! نجد أن بلدا منكفئا على ذاته، بينما قطر تعمل أكثر من إمكاناتها وكأنها قوة عظمى تتدخل هنا وهناك. كنا نتوقع بفكرها الشاب أن تعمل على مزيد من الانفتاح والإصلاح السياسي والرخاء والبناء والاستثمار لأبناء شعبها القليل بدلا من المغامرات غير المحسوبة. لكن يبدو أن الأحلام والطموحات أكبر من الإمكانات. لا يمكن بالمال وحدة التأثير والسيطرة وقيادة الرأي العام العربي والدولي. وإنما يجب أن تتوفر معطيات أخرى في غاية الأهمية: القوة العسكرية وحجم القوة البشرية وحجم التنوع الاقتصادي والتاريخ الحضاري والديمقراطي وحجم رقعة المساحة والموقع... إلخ. تتساءل: لماذا تخرج قطر عن السرب الخليجي وهي الدولة الصغيرة؟! لا نتكلم هنا عن إلغاء شخصية الأوطان. وهل هذه المناكفة لها علاقة بالقاعدتين الأمريكيتين على أراضيها وبالعلاقات الإسرائيلية المتنامية! هل تتوقع دولة صغيرة كانت أو كبيرة في الاتحاد الأوربي أن تعمل خارج إطار الاتفاقات ومواثيق الاتحاد الأوربي؟! أو أن تقوم بمغامرات ضد دول الاتحاد ولا يكتشفه أحد! كأن تتعامل دولة سرا أو علنا مع تنظيم موضوع في قائمة الإرهاب! تتعجب من دولة صغيرة تطرح نفسها على أنها دولة قادمة برؤى جديدة ومغايرة، وتدعم جمعيات وأحزابا متناقضة ومتصارعة كجماعة الأخوان المسلمين والحوثيين و(الكرامة) و(معارضي) الخمسة نجوم الجالسين في ربيع أوربا! للعمل ضد شركاء المجلس الواحد! إنه بمثابة الانتحار والنفاق السياسي! وتنفق ملايين الدولارات على جماعات وأفراد لا يؤمنون بالديمقراطية، بل يرونها مجرد مطية لتوصلهم إلى حلم (الإمامة) المستحيل.. بل إن تنظيم جماعة الإخوان المسلمين الذي يشبه كثيرا التنظيم الماسوني السري كما جاء في كتابات بعض المنتسبين سابقا للإخوان كمحمد الغزالي وثروت الخرباوي، يرون بأن قطر في النهاية في نظر الجماعة كالورقة التي سوف ترمى بعد استخدامها مع الأسف الشديد. الشاهد لا يوجد دولة في الدنيا تحاول أن توظف كل العناصر وترضي كل الأطراف في وقت واحد. هذا مستحيل الحدوث: أن ترضي أمريكا وإسرائيل وأهل قطر ودول مجلس التعاون والدول العربية والأحزاب الدينية: شيعتها وسنتها، وترضي الليبراليين والقوميين واليساريين والجهاديين وأولاد قبيلة واق الواق! إنها مجرد لعبة خطرة غير مسؤولة ستحرق الجميع: لاعبين ومتفرجين في نفس الوقت إذا لم ينتبه العقلاء لذلك وإيقاف اللعبة قبل فوات الأوان.