رغم أن سوق الأسهم لم يعوض سوى 30 في المئة من خسائره التي مني بها منذ 2006، إلا أن السرعة التى يققز بها في الآونة الأخيرة باتت تثير المخاوف من احتمالية أن يكون ذلك بداية لانتكاسة أخرى لاقدر الله. والواقع أن هذه النظرة بات لها ما يبررها لأن السوق الذي سجل قفزة تزيد على 15 في المئة من حجمه خلال الأشهر التسعة الأخيرة ، ظل لأكثر من عامين يراوح مكانه بعد الهبوط المدوي قبل ثماني سنوات، ويعزز من هذه النظرة استمرار غياب الوعي الاستثماري عن غالبية المتعاملين في سوق الأسهم رغم التجربة القاسية التي مر بها السوق ومازالت توابعها قائمة إلى الآن . وكان من المؤمل أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى الثقافة الاستثمارية والابتعاد عن المضاربة على أسهم الشركات الخشاش، إلا أن هذا المسلك لايزال سائدا في تعاملات الأفراد على وجه الخصوص، وكان من نتاج ذلك استمرار النزيف، وتسجيل أكثر من 15 شركة صغيرة خسائر تراوحت بين 50 إلى أكثر من 75 في المئة من رأس المال مما يهدد بإيقافها عن التداول. ولاشك أن التوجه نحو تأسيس سوق ثانوية لأسهم الشركات الخاسرة يعد خطوة جيدة، وإن جاءت متأخرة من أجل تعزيز قيم السوق على أسس صحيحة كما هو معمول به في مختلف أنحاء العالم، ويبقى التساؤل قائما عن حجم الشفافية في السوق، والمضاربات التى تهدد استمرار نموه بمنطقية بعيدا عن الشطحات التي تهدد بشبح الانهيار في أي وقت. الذكرى السابعة الأليمة مرت الأيام الماضية تحمل الذكرى السابعة الأليمة لانتكاسة سوق الأسهم في فبراير من عام 2006 والتي أدت إلى انهياره من قرابة 21 ألف نقطة إلى 4200 نقطة فقط خلال أشهر معدودة. وعلى الرغم من التحرك الرسمي لاحتواء الكارثة التي أضرت بأكثر من أربعة ملايين أسرة أغلبها باع تحويشة العمر من أجل الاستثمار في السوق، إلا أنه لايزال يعاني بشدة رغم بوادر التعافي الراهنة وتجاوزه أكثر من 8600 نقطة في الأسابيع الاخيرة . مراحل نمو السوق والحقيقة أنه يمكن تمييز خمس مراحل مر بها سوق الأسهم حتى الوقت الراهن، الأولى كانت في ثلاثينات القرن الماضي بتأسيس أول شركة مساهمة سعودية، تبعها تأسيس عدة شركات أخرى في قطاعي الأسمنت والكهرباء في الخمسينات. أما المرحلة الثانية فتبلورت في نهاية السبعينات ومنتصف الثمانينات بالسماح لمكاتب الوساطة بالاستثمار في الأسهم، ونظرا لارتفاع أسعار النفط في تلك الفترة تكونت العديد من الشركات المساهمة في السوق ، وتم إسناد مهمة الإشراف عليه إلى مؤسسة النقد في عام 1985، والسماح بالاستثمار المباشر في سوق الأسهم. و خلال عام واحد سجل مؤشر السوق حوالى 2500 نقطة، إلا أنه مالبث أن تراجع مع بداية الانخفاض في أسعار النفط ، ثم عاود الارتفاع إلى أن وصل إلى 1400 نقطة مع نهاية حرب تحرير الكويت في 1992. وامتدت المرحلة الثالثة من 1992 إلى 1995 وفيها تراجعت السوق بشكل ملموس بنسبة بلغت أكثر من 50 في المئة بسبب تداعيات الحرب، ويمكن القول: إن الفترة من نهاية التسعينات إلى 2006 تمثل المرحلة الرابعة والمحورية في تحولات السوق، حيث ارتفع من 4 آلاف إلى 21 ألف نقطة، كما شهد طفرة في عدد المستثمرين من حوالى 50 ألف إلى 4 ملايين مستثمر أغلبهم من البسطاء الذين لايعرفون معنى كلمة استثمار أو أسهم وإنما انجرفوا وراء البحث عن الربح، وباعوا أغلب مايملكون من أجل الثراء السريع . ومن هذه الفترة يمكن الإشارة بالتحديد إلى أن الانطلاقة الفعلية تشكلت بعد 2003 وغزو العراق الذي صاحبه طفرة في أسعار النفط من 27 دولارا للبرميل إلى أكثر من 40 دولارا ، ومثل ذلك بداية جديدة لما يمكن وصفه بانتهاء عصر النفط الرخيص. أما المرحلة الخامسة فيمكن تقسيمها هي الأخرى إلى مرحلتين صغيرتين الأولى من 2006 إلى 2009 وتعد الأصعب على الإطلاق في تاريخ السوق الذي هبط إلى 4 آلاف نقطة، ولم يتجاوز خلالها 6 آلاف نقطة إلا بصعوبة بالغة. أما المرحلة الثانية والأخيرة فقد بدأت من مارس 2009 إلى الوقت الراهن وفيها بدأ السوق في التعافي التدريجي من الانتكاسة الصعبة التي مر بها حتى وصل إلى 8800 نقطة مستفيدا من سلسلة متواصلة من القرارات الإصلاحية التي اتخذتها هيئة سوق المال من أجل ضمان الشفافية، والحد من المضاربات العاصفة التي تؤدي إلى خسائر الشركات الصغيرة في السوق. خسائر ترليوني ريال وفي الذكرى السابعة لانهيار سوق الأسهم الذي أدى إلى خسائر بلغت أكثر من ترليوني ريال، يبقى السؤال المحوري قائما وهو: هل سوق الأسهم بوضعه الراهن يعد آمنا في اتجاهه الصعودي، والإجابة على ذلك بمزيد من الاطمئنان لاتخرج عن لا وذلك لأسباب عديدة يمكن إجمالها في عبارات مختصرة: المضاربة الشديدة على أسهم الشركات الصغيرة خاصة في قطاع التأمين مما أدى إلى تكبدها خسائر كبيرة في العام الأخير على وجه الخصوص. ويكفى للتدليل على ذلك القول: إن عددا لايستهان به من شركات السوق حاليا اقتربت من نسبة الخسائر غير المسموح بتجاوزها. على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الدولة من أجل تعميق السوق، وزيادة عدد شركاته إلى الضعف تقريبا خلال سنوات قليلة، إلا أن ذلك الهدف لم يتحقق بالصورة المأمولة لضعف الشركات. لايزال عدد الأسهم المطروحة للتداول محدودا بسبب ملكية الحكومة لغالبية الأسهم في الشركات الكبرى، ويبقى الأمل قائما في تسريع طرح نسبة أكبر من هذه الأسهم للاكتتاب العام للجمهور . لم تواكب غالبية الطروحات الأخيرة في سوق الأسهم الشفافية المطلوبة لاسيما بشأن علاوة الإصدار ، مما أدى إلى طرح بعض الأسهم بقيمة غير عادلة بالنسبة للمستثمرين . ضعف الالتزام بمعايير الحوكمة والشفافية في الشركات، ويتضح ذلك في التلاعب بترحيل الخسائر، والخلط بين الأرباح التشغيلية والرأسمالية، وهنا ينبغي إعادة النظر في المعايير المحاسبية للشركات حتى تكون متسقة مع الواقع الفعلي. عدم تسريع الجهود لإنشاء سوق ثانوية لأسهم الشركات الخاسرة، وهو الأمر الذى يعزز الشفافية في السوق في ظل تواضع نسبة الوعي بين المستثمرين رغم التجربة القاسية التي مروا بها وأدت إلى خروج 80 في المئة منهم على الأقل من التداول في السوق. وفي كل الأحوال وجب الإشارة إلى الكثير من القرارات التي اتخذت من أجل إصلاح السوق دون أن يكون لها التأثير الملموس ومن بينها تخفيض القيمة الاسمية للأسهم بما يسمح بتجزئتها وتعديل نسبة التذبذب اليومي من 10 إلى 5 في المئة، فضلا عن السماح للمقيمين بشكل مباشر بالاستثمار في سوق الأسهم، وعدم قصر ذلك على صناديق الاستثمار، وتحفل الذاكرة بالكثيرة من التفاصيل من أبرزها انعقاد المجلس الاقتصادي الأعلى لدراسة وضع سوق الأسهم وخروجه بتأكيد على أهمية الثقة في الاقتصاد السعودي، وأن ما حدث في السوق لاتدعمه مؤشرات الاقتصاد الوطني الذي يتجاوز ناتجه الإجمالى أكثر من ترليوني ريال . لكن من الضروري الإشارة إلى عدة جوانب، وأسئلة منها هل كان من الممكن تجنب أزمة الانهيار في سوق الأسهم ، والإجابة على ذلك بنعم ولا في نفس الوقت . نعم لأن المنطق الظاهر، كان يشير إلى أن ما يجرى يخالف جميع الأعراف في الأسواق العالمية، وبالتالي كان من الضروري أن تقف الجهات المشرفة على السوق لإيقاف الخلل الجاري فيه، حيث يشير كبار الخبراء في العالم إلى أن أي سوق أسهم لايمكنه أن يربح أكثر من 20 في المئة سنويا، بينما كانت الأرباح في السوق السعودي أكثر من 100 في المئة خلال أقل من عام ولاسيما خلال الفترة من 2003 2005 أما الإجابة بلا فتبدو منطقية أيضا، لأن الجميع سرقتهم الأرباح السريعة، بل ذهبت بعقولهم أيضا بدون مبالغة. ولم يلتفت مسؤولو وزارة المالية، ومؤسسة النقد إلى الصرخات الواردة من صندوق النقد الدولي في الربع الثالث من 2005 أي قبل وقوع الكارثة بخمسة أشهر على الأقل التي أشارت إلى مخاطر التضخم في سوق الأسهم السعودي، فهل يمكن القول بعد هذه السنوات إن الانهيار كان بفعل فاعل لتحقيق أرباح خيالية من السوق، أم أنه كان خارج السيطرة كما يؤكد البعض. وخلاصة القول إن السوق بوضعه الراهن لايزال يحمل بذور التراجع إلى الخلف قبل أن يدخل مرحلة النضج والانتعاش من جديد لذا وجب الحذر والانتباه ودق الأجراس من الآن.