استشرف عدد من المحللين الماليين مستقبل تأثير صناديق الاستثمار في سوق الأسهم السعودية من حيث القيمة السوقية، عطفًا على ما يتمتع به السوق من مواصفات استثمارية وتهيئة المناخ والبيئة التنظيمية والتشريعية، مشيرين إلى أنه على الرغم من أن تأثيرها على السوق متدنٍٍ جدًا، قياسًا على انخفاض حجم أصولها الاستثمارية التي لا تتجاوز 1.4% من القيمة الرأسمالية للسوق، إلا أنه مع مرور الوقت وزيادة نضج السوق المحلية، وزيادة تدفق السيولة المؤسساتية للسوق، فمن المؤمل أن تعزز دورها على المدى البعيد. وأوضح الأستاذ وليد العبد الهادي مدير صندوق الأولى جوجيت بشركة الجوهر للأسهم السعودية أنه مع بداية عام 2011م كانت معظم الصناديق تخسر بنسبة أكبر من نسبة خسارة المؤشر العام للسوق بسبب تمركزهم في الأسهم القيادية التي كانت أكبر الخاسرين للعام الماضي، لكن مع نهاية السنة ربحت الصناديق بمتوسط 4 % وهذا يدل كما يقول الأستاذ وليد العبد الهادي على تحول سيولة هذه الصناديق إلى أسهم وقطاعات صغيرة ومتوسطة الحجم وهي التي أعطت بشكل كبير في هذا العام، مضيفًا أن صناديق تنمية رأس المال التي بلغ عددها 54 صندوقًا كانت هي الأنشط نظرًا لتقبلها مخاطر أعلى من الأنواع الأخرى. أما فيما يتعلق بأسباب تواضع أداء الصناديق مقارنة بأداء السوق فقد أوضح العبد الهادي أن صناديق الاستثمار في التسعينات الميلادية كانت تدار بسلوك استثماري بحت ومع تشكل فقاعة 2005م أخذت طابع المضاربة، وما يؤكد ذلك دخولها بأسعار غير منطقية استثماريًا، بل حتى بعض الصناديق طرحت للاكتتاب والسوق يعيش بين 17و 18ألف نقطة أي لم توفق في التوقيت، ويعدُّ سوق صناديق الاستثمار متدني الكثافة، حيث تقدر مساهمة المستثمر في هذا السوق ب4700 ريال وحاليًا آخر الأرقام تشير إلى أن حوالي 205 آلاف مشترك مستثمرون في الصناديق يدل ذلك على عزوف كبير رغم تحسن البيئة التنظيمية والرقابية على السوق وتحسن أساسيات السوق المالية من نمو وتوزيعات نقدية وتنوع أكثر في القطاعات. لذا يعدُّ سوق الصناديق الاستثمارية في بداية دورة اقتصادية جديدة تشبه الفترة التي تلت العام 2001م والحقبة التي مرَّ فيها في التسعينات الميلادية. وأشار العبد الهادي بخصوص مستقبل تأثير الصناديق على السوق من حيث القيمة السوقية إلى أن الفرصة الآن مواتية والسوق يتمتع فعلاً بالمواصفات والمقاييس الاستثمارية أبرزها مكرر ربحية السوق الذي يوجد حاليًا في منطقة قاع ومتوسط التداول للفترة من 2008م حتى الآن يقف متماسكًا عند 6000 نقطة ومتوسط التوزيعات النقدية لآخر ثلاث سنوات 4.5%. وأضاف أن وزن صناديق الاستثمار للشركات في السوق يبلغ 1.6% أي ليس لديها دور قيادي في سوق الأسهم الأكبر في الشرق الأوسط لكن مع انتعاش السوق المتوقع قريبًا وتخطي حاجز 7000 نقطة سترتفع هذه النسبة تدريجيًا ليصبح السوق (سوق مؤسسات) مستقبلاً. ومن جانبه أفاد الأستاذ خالد الجوهر (عضو لجنة الأوراق المالية) بأن المتتبع والمراقب لآراء المستثمرين في المملكة يلاحظ وجود فهم خاطئ عند الغالبية العظمى منهم لصناديق الاستثمار، الأمر الذي يدفع لاتخاذ موقف سلبي تام منها، وبالرغم من تفهمنا لدوافع هذا الانطباع والناتج أصلاً عن الخسائر الفادحة التي تكبدها المستثمرون في أغلب الصناديق، إلا أننا نرى أن هنالك العديد من الحقائق التي لا بد أن نضعها بالاعتبار كي يكون حكمنا في النهاية على الصناديق منطقيًا وعادلاً ولا يتأثر حكمنا بالعاطفة دون النظر إلى الصورة كاملة، ومن هذه الحقائق قال الجوهر: إن أغلب الصناديق التي يتحدث عنها المستثمرون تم إطلاقها خلال فترات كان المؤشر خلالها في مستويات أكثر من 13 ألف نقطة وقد واجه مديرو الصناديق في حينها صعوبات كبيرة في البيع لوقف الخسائر، معللاً ذلك إما للهبوطات الحادة السريعة التي حصلت أو لصعوبة اتخاذ القرار بتجرع خسائر مهولة في محاولاتهم البيع لوقف النزيف علاوة على ذلك فقيام الصناديق بالتصفية الشاملة كان سيزيد الأمور تعقيدًا عندما تواجه السوق في حينه عروضًا بيعية كبيرة تسهم في تفاقم المشكلة. وأردف الجوهر: نحن أمام واقع جديد للسوق، ونتحدث عن سوق مختلفة تمامًا عن السوق الماضية، فالمؤشر متماسك فوق مستوى ال6000 نقطة لفترة طويلة، كما أنه أصبح أكثر تماسكًا وأقل حساسية للأحداث الخارجية فأرباح الشركات المدرجة في السوق كبيرة ولا زالت تنمو بشكل لافت كما أن المكررات الربحية لأغلب الشركات الجيدة عند مستويات جاذبة بالإضافة لأحجام التداول في تزايد دون الصعود بنفس الوقت بالمؤشر بشكل حاد. وأضاف الجوهر أن هنالك أنماط شرائية هادئة ذات طابع استثماري، فالشركات تعمل في ظروف اقتصادية مزدهرة ومرشحة لمزيد من الازدهار، وهنالك الكثير من عوامل القوة. كما شدد الجوهر على أنه لا أحد يستطيع أن يجزم بأن أداء الاستثمار الفردي كان أفضل من أداء الصناديق، مستشهدًا على ذلك بالعديد من المستثمرين الذين أداروا محافظهم بأنفسهم وتكبدوا خسائر في أغلبها أكبر من نسب خسائر الصناديق، وعزا السبب في ذلك إلى قيامهم بامتلاك أسهم مضاربة مغرية كانت أكثر تضررًا في الهبوط من الأسهم الاستثمارية، فمن الإنصاف أن نقارن بين أداء الاستثمار الشخصي وأداء الصناديق كي نتمكن من إطلاق الحكم على الصناديق. وأوضح الجوهر أن الصناديق تدار من قبل جهات متخصصة تملك الخبرة والمعرفة والموارد والتخصص، على الرغم من تفاوت مستوى الجودة بين شركة وأخرى، إلا أن المؤسسات الاستثمارية بشكل عام تظل أكثر فاعلية في إدارة الاستثمارات من الأفراد، وإن وجد حالات محددة معاكسة، فإنها لا يمكن الحكم عليها أو اتخاذها قاعدة عامة، بل من العدل أن تصنف ضمن الحالات شديدة الندرة. كما أكَّد الجوهر على أنه بالإضافة للظروف الاقتصادية المشجعة في السوق، فإن الظروف التشريعية والتنظيمية أصبحت أكثر تطورًا ورقيًا. ولا يستطيع أحد أن ينكر جهود هيئة السوق المالية في تنظيم السوق وتعزيز المفاهيم الصحيحة للاستثمار وتعزيز الشفافية ومبادئ الإفصاح ومراقبة التداولات على طرح الصناديق الاستثمارية العامة والتأكَّد من إبراز كل ما يثبت امتلاك مديري الصندوق للإمكانات اللازمة لإدارة أموال العامة بكفاءة وذلك من منطلق حرصها على حمايتهم. من جهته علق الأستاذ عبد الحميد العمري (عضو جمعية الاقتصاد السعودية) على تقييم أداء الصناديق بشكل عام والأسباب التي أدت إلى تغيرها، حيث قائلاً: مبدئيًا أظهرت الصناديق الاستثمارية للعام السابع على التوالي أداءً أعلى من أداء السوق، مرجعًا السبب في ذلك إلى المعايير الرقابية والإشرافية التي فرضتها هيئة السوق المالية على الشركات الاستثمارية المرخص لها بتقديم هذه المنتجات، سواء على مستوى اختبارات التأهيل المهني للمديرين القائمين على الصناديق، أو على مستوى الرقابة على جميع تعاملاتها في السوق، وضرورة الالتزام بالإستراتيجيات والسياسات الاستثمارية التي بموجبها منحت ترخيص العمل في السوق، ومتابعة الهيئة لالتزام تلك الصناديق بها. وعن كيفية تأثير الصناديق مستقبلاً على السوق قال العمري: إنه من المعلوم أن تأثيرها قديمًا وحتى الوقت الراهن متدنٍ جدًا، قياسًا على انخفاض حجم أصولها الاستثمارية التي لا تتجاوز 1.4% من القيمة الرأسمالية للسوق، غير أنه مع مرور الوقت وزيادة نضج السوق المحلية، وزيادة تدفق السيولة المؤسساتية للسوق، فمن المؤمل تعزز دورها، وإن كان هذا سيستغرق سنوات طويلة حتى يتحقق كما حدث في الأسواق المتقدمة. وذكر العمري أن الإستراتيجيات والسياسات الاستثمارية التي عادةً ما تنتهجها الصناديق الاستثمارية أثناء تعاملاتها في السوق، تأخذ بعين الاعتبار عوامل عديدة ترتبط بالتملك في الأصول منخفضة إلى متوسطة المخاطر، إضافة إلى تملكها للأصول الاستثمارية الجيدة جدًا من ناحية أداء الشركات المساهمة المصدرة لها التي تتمتع بقدرتها على تحقيق هوامش أرباح متنامية عبر الزمن من أنشطتها التشغيلية، إضافة إلى كفاءة أداء إدارتها التنفيذية وارتفاع مستوى الإفصاح لديها لعموم المستثمرين، خاصةً على مستوى الالتزام بمواد لائحة الحوكمة التي أتاحتْ لمديري الصناديق الاستثمارية إمكانية تقييم تلك الإدارات وفرزها حسب مستويات الالتزام. وفيما يتعلق بمسألة انعدام الثقة بالصناديق وكيفية تحسين الفكر النمطي بعد تحسن البيئة الاستثمارية يقول العمري: إن التجربة السريعة التي مرّت بها السوق في وقتٍ مضى عجّت بالكثير من التشوهات والأخطاء الفادحة، التي أدت مجتمعة إلى حدوث الانهيار الكبير في فبراير 2006م، وهذا ما أفقد الكثير من الثقة لدى أغلب المتعاملين فيها وليس فقط في الصناديق الاستثمارية، التي تعرضت إلى فقد أكثر من ثلاثة أرباع المشتركين فيها، إضافة إلى خسارتها الفادحة في أصولها الاستثمارية إما بسبب سحب المشتركين لأموالهم، أو لانخفاض قيمتها السوقية، حيث وصلت لأكثر من 124 مليار ريال قبيل الانهيار، وفي الوقت الراهن بالكاد تلامس 16 مليار ريال وتعتمد عملية استعادة الثقة فيها لدى المتعاملين والمشتركين فيها بالدرجة الأولى على تحسن أدائها الاستثماري، وهذا بحد ذاته مطلب مهم جدًا من أجل زيادة رصيد الثقة في السوق بمجملها، مضيفًا أن استمرار التفوق في أداء الصناديق الاستثمارية، يُعدُّ واحدًا من أهم العوامل المساعدة على إعادة الثقة فيها لدى عموم المستثمرين، خصوصًا في ظل الأعداد الكبيرة التي انسحبت منها خلال السنوات الست الأخيرة، وضرورة النظر إلى خيارات الاستثمار المقدمة من خلال هذه الصناديق الاستثمارية بمنظور استثماري طويل الأجل، وفقًا لأهدافها وسياساتها المتنوعة. وعليه يجب التأكيد على ضرورة الاهتمام ببقية المزايا التي ترشح خيار صناديق الاستثمار أمام صغار المستثمرين مقارنةً ببقية الخيارات المتوافرة في السوق، التي من أبرزها تميزها بتوزيع المخاطر الاستثمارية، وذلك من خلال توزيع إدارات الصناديق الاستثمارية للأموال المستثمرة في أكثر من مجال استثماري بالإضافة لتجنب وضع البيض في سلة واحدة، يخفض من درجة المخاطرة، وهو المبدأ الذي تستند عليه معظم سياسات صناديق الاستثمار. وكذلك الإدارة الاستثمارية المتخصصة من خلال الكفاءات المتخصصة في المجالات الاستثمارية الحديثة، وميزة الإعفاء من الأعباء الإدارية الباهظة، حيث تتوافر لدى صناديق الاستثمار أصول استثمارية كبيرة يمكن لها إبرام الصفقات الكبيرة بعمولات متدنية والاستفادة من اقتصاديات الحجم، وهو ما يوفر الكثير من التكاليف والأعباء على المستثمر، هذا عدا إعفاءه من بعض الرسوم والتكاليف الإدارية. وأيضًا ميزة توافر السيولة للفرد متى شاء، حيث يُمكن لأي مستثمر في الصناديق المفتوحة تقديم طلب استرداد قيمة اشتراكه لمدير الصندوق في أي وقت، ومن ثم يمكنه الحصول على المبلغ حسب اتفاقية الأحكام والشروط، بالإضافة إلى ميزة التنظيم والرقابة، كما أن صناديق الاستثمار تتيح لصغار المستثمرين فرصة الدخول في مجالات استثمارية لا يستطيعون دخولها بمفردهم. بدوره أشار الكاتب الاقتصادي الأستاذ محمد العنقري إلى أن الصناديق الاستثمارية تعاني من ضعف بتأثيرها نتيجة انخفاض في حجمها فهي لا تحمل أي مقدرة على التأثير بأداء السوق ولكنها بنفس الوقت تمثل خيارًا مهمًا للمستثمرين خصوصًا غير المتفرغين أو لديهم القدرة على متابعة السوق، موضحًا أن الصناديق ذات طابع استثماري طويل الأجل أي أن المستثمر لا يجب أن ينتظر منها نتائج سريعة وعادة ما يتعامل المستثمرون بالصناديق في الأسواق العالمية لفترات زمنية طويلة جدًا فهي بمثابة ادخار لهم وتحقق لهم عوائد مجزية جدًا في حال تجاوزت مدة الاستثمار عشر سنوات أو أكثر وبعضها يكون مربوطًا بسن التقاعد أي لعقود. وأشار العنقري إلى أن السوق المالي السعودي بوضعه الحالي أفضل من السابق كبيئة عمل للصناديق لزيادة عدد الشركات والقطاعات ووجود سوق للصكوك أيضًا، أما في المستقبل المتوسط والبعيد فهو لصالح العمل المؤسسي ومنتجاته وخصوصًا الصناديق التي مازالت النظرة لها من قبل المستثمرين سلبية حاليًا ولكن ستتغير النظرة للإيجاب خلال السنوات القادمة.