أستخلص هنا بضع فقرات من كتابي «الرعاية الصحية.. نظرة مستقبلية». كان لأستاذنا الدكتور سعيد عبده رحمه الله ركن في صحيفة الأخبار المصرية بعنوان «خدعوك فقالوا» أستعير منه هذا التعبير لأطرح بضع قضايا صحية من عالمنا العربي يخطئ ظن الكثيرين حيالها. خدعوك فقالوا.. إن عدد الأطباء أو عدد المستشفيات أو عدد الأسرة مؤشر كاف على مستوى الخدمات الصحية. خدعوك فقالوا.. إن كلياتنا الطبية والصحية في العالم العربي بمناهجها الحالية تهيئ خريجيها للوقاية من الأمراض قبل حدوثها، بقدر ما تهيؤهم لعلاج الأمراض بعد أن تصيب الناس. خدعوك فقالوا.. إنه على الرغم من الاهتمام الذي توليه البلاد العربية لتنمية القوى البشرية الصحية، أن هذه التنمية تصاغ بأسلوب علمي. نعم.. عدد الأطباء في المجتمع لا يكفي للدلالة على مستوى الخدمات الصحية فيه. فهناك إلى جانب عدد الأطباء عوامل أخرى تلعب دورا بل أدوارا من بينها: مدى ملاءمة تدريب الأطباء وبقية أفراد الفريق الصحي لحاجة المجتمع. ومدى عدالة توزيعهم بين المناطق المختلفة، وأسلوب الإدارة الصحية. أنقل لكم الإحصاءات عن القوى البشرية العاملة في القطاع الصحي بالمملكة، تبعا لما جاء في آخر تقرير إحصائي سنوي لوزارة الصحة لعام 1432 ه. يعمل في القطاع الصحي بشقيه الحكومي والأهلي بالمملكة 69.200 طبيب بشري وطبيب أسنان. منهم 15.500 طبيب سعودي (22،4% من المجموع). وإذا ما اعتبرنا أن عدد السكان (مواطنين ووافدين) 28 مليون نسمة كما جاء في الإحصاء الرسمي، فإن ذلك يعني أن لدينا طبيبا لكل 500 نسمة، وهو معدل عال بكل المقاييس. بيد أن توفر هذا المعدل العالي من الأطباء لا يكفي وحده لضمان مستوى جيد من الرعاية الصحية للأسباب التي ذكرناها آنفا.. ويأتي على رأسها اختلال التوازن بين عدد الفنيين الصحيين (بما في ذلك هيئة التمريض) وعدد الأطباء. المعدل حاليا هو ثلاثة فنيين صحيين مقابل كل طبيب. هذا المعدل متدن بكل المقاييس ويجب أن يرتفع إلى 8-10 فنيين صحيين (ذكور وإناث) لكل طبيب لضمان التوازن في الفريق الصحي. لنحسب معا حاجتنا (تقديرا) للقوى البشرية الصحية في عام 1460 هجرية أي بعد ربع قرن من اليوم. ولنبدأ بالأطباء البشريين وأطباء الأسنان. يومها سوف يتضاعف عدد السكان، ولو أردنا أن نحافظ على نفس معدل الأطباء إلى السكان فسوف نحتاج إلى 138.000 طبيب. وإذا ما أردنا أن يكون 50% من الأطباء يومها سعوديين، فعلينا أن نؤهل 69.000 طبيب سعودي خلال 25 عاما. علما بأن العدد الحالي من الأطباء السعوديين (15.500 طبيب) لن يكونوا على رأس العمل يومذاك -والله أعلم- لعوامل الوفاة أو التقاعد أو تغيير طبيعة العمل. ترى هل نستطيع؟