بعض وجوه الصحوة المزيفة خاضت حربا ضد الإنسان قبل أن تخوض حربها على ما أسمته «خلل العقائد»، فقد وجه بعض مدعيي الصحوة قضهم وقضيضهم ضد قيم المجتمع وعاداته. وبلمحة بسيطة لما حدث، سنتلمس مدى الضرر البليغ الذي تعرض له مجتمعنا كنتيجة حتمية لفقد هويته وتواصله مع ماضيه، الذي اتهمته بعض وجوه الصحوة بالكفر والشركيات والانقطاع عن الدين مستغلة في حربها على المجتمع حادثة جهيمان، فتبنت أدبياته، وطبقتها بطريقتها على التعليم والمسجد والمجتمع، لم تكن الصحوة معنية بتصحيح عقائد الناس الفاسدة كما ادعت، بل كان هدفها الخفي أكبر من ذلك بكثير. حالة عاثت في المجتمع «فسادا» فكفروا صاحب كل رؤية تجديدية، وشوهوا صور المبدعين من كتاب وشعراء وتشكيليين وأدرجوهم في خانة الردة والمروق من الدين استخدموا كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في النيل منهم. يؤلف أحدهم كتابا مستغلا «صحوية» بعض الرموز الدينية وتعاطفها مع هذه الظاهرة رغم تفاهة مضمون الكتاب وخلوه من المنهجية والرؤية الفكرية، مشهرا سيف الباطل في وجوه مخالفيه. يعقبه آخر ينال شهادة الدكتوراه عن بحثه مكفرا كل مبدع ومفكر خاطفا لبعض إبداعاتهم من السياق واصفا لهم في ثلاثة أجزاء بالكفر والردة والمروق من الدين دون مراعاة لأي ضوابط دينية أو اجتماعية أو ثقافية. لقد فتح مجلس الشورى ملف العناصر التكفيرية الخارجين من عباءة هذه الحالة، لشتم الكتاب والصحفيين ورموز الحداثة، فقد أشارت العضو لطيفة الشعلان إلى معاناة المجتمع منذ الثمانينات من عمليات الشتم والتكفير التي طاولت الكثيرين. مضيفة أن وتيرة السب والتكفير تسارعتا في العقدين الماضيين، متخذة طابعا قبائليا ومذهبيا ومناطقيا، مستهدفة في المقام الأول مشروع الإصلاح والسلم الاجتماعي في المملكة، محذرة أن بوابة الشتم ستؤدي إلى العنف المادي، وتتمثل في حالات التصفية والاغتيالات التي شهدتها بلدان عربية. الحياة (18575). هذا التطرف في الحكم على الآخرين ليس مجرد فكر أو رأي لصاحبه ينتهي عند قدميه، بل إنه يحمل في طياته نتائج وخيمة من تشريع للتدمير والإرهاب والقتل والجهاد الباطل. فالنظريات المزيفة تزدهر من خلال تأكيدات وإشارات لا دليل على صحتها إلا في عقول من يطلقها. ألا يكفي هذا للحذر من الزج بشبابنا في النار. لكن هل أفاق من استلب من صدمة هذه الحالة وتسلطها عليه، ملتمسا طريقه على نهج الإسلام الصحيح كما أراده صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم أن يكون، في ظني أن هذه الحالة بدأت تظهر وتتشكل وإن كانت على استحياء، وهذا دأبها فهي تتمسكن حتى تتمكن. تطل برأسها البغيض ملقية بظلالها المحرقة على المجتمع، مطورة من أدواتها، فاستغلت وسائل التواصل الاجتماعي واتخذتها كمنابر لتضلل المجتمع وأبنائه، بعد أن حرموا منابر الجمعة واستبعدوا من بعض المساجد وقضت بصرامة ضدهم الشؤون الإسلامية إثر تطرفهم، فلم تعد تسمح لهم بتسييس خطبة الجمعة واتخاذها منبرا للدجل والتضليل كما كان يحدث أيام الجهاد في أفغانستان والذي ارتد علينا إرهابا وقتلا وكما قال تقرير للحياة (18569) إن الجهاد يبدأ بتزكية داعية وينتهي بعملية انتحارية. هؤلاء لن يهدأوا، حتى يعيدوا استيلاءهم على المجتمع من جديد، خاصة بعد الإجراءات الحازمة التي حرمتهم مناشطهم التقليدية، فلجأوا إلى إقامة مخيمات دعوية متنقلة عبر سيارات تجول في المناطق، لتصبح بديلا للمخيمات الدعوية القديمة التي كانوا يأخذون فيها أولادنا للخلاء، اليوم ينقلون الخلاء للمدن بكل ما فيه. علاوة على تحركهم بمصليات متنقلة في الصحراء والشواطئ رغم أن الأرض كلها مسجد وطهور للمسلم، إضافة إلى عودة خطاب مهاجمة المرأة وتحجيم دورها الاجتماعي وتكسير استعراضي للآلات الطربية وولاعات السجائر. هذه المخيمات المتنقلة لا تتبع لأي جهة رسمية بل لمجموعة اشتاقوا لأيام عزهم وسطوتهم وما كان يجري من غسل للعقول وتحريض للأنفس، توزع مطويات وسي ديهات تحوي على مواعظ «صحوية» ترى المجتمع من خلالهم لا من خلال الدين المتسامح، مع قيام شبان بإلقاء كلمات مصحوبة بخلفيات حزينة بكائية للتأثير على المستمعين، كما استغل واعظ آخر منبر الجمعة ليصف كرة القدم بالميسر رغم الفارق الكبير بين الاثنين، فالرياضة عادة الأصل فيها الحل أما الميسر فقد حرمه الله، منتقدا المرأة في تشجيعها للأندية وأنه عمل لا يقره الإسلام. إضافة إلى نشر صورة لأطفال يبكون على وسائل التواصل الاجتماعي بعد جلسة صحوية ساخنة، إضافة إلى أمور أخرى تتعرض لعادات المجتمع وتقاليده. إنها مرحلة دفناها إلى الأبد ولا نريد لها أن تعود، فهل نفيق.