لقد خرجت أوكرانيا عن السيطرة الروسية بالضربة القاضية مع سقوط الرئيس «يانوكوڤيتش» وخروج زعيمة المعارضة يوليا تيمونيشينكو من المعتقل السياسي.. لقد بدأت أركان السلطة في كييف التابعة لموسكو تتهاوى كقطع الدمونو.. فهل يهتز مقر قيادة الأسطول العسكري في البحر الأسود الروسي في مدينة «سيفاستوبول» الأوكرانية الشريان الرئيسي لإمداد نظام الأسد، وتضطر لذلك موسكو إلى إعادة قواتها من ميناء طرطوس أو تبدأ روسيا بالمفاوضة على سورية؟، هل يقدر الاتحاد الأوروبي أن يضم أوكرانيا وسط أزمة الاتحاد الاقتصادية رغم التلويح بالمساعدات المالية «الكبيرة» لأوكرانيا وعلى أرض الواقع فموسكو تمسك بالعصب الاقتصادي لأوكرانيا.. أسئلة يصعب الإجابة عنها في المدى المنظور، لكن تسارع الأحداث في كييف وتداعياتها على المستوى الإقليمي والدولي ليست ببعيدة عن صرخات المعارك في سورية. يستعمل الروس ثلاثة خطوط إمداد بحرية رئيسية لنظام الأسد إلى ميناء طرطوس، الأهم والأقرب هو مقر قيادة أسطول البحر الأسود في مدينة «سيفاستيبول الأوكرانية»، وهو الخط الرئيسي الذي يصل بالعتاد إلى الأسد. والثاني من ميناء «كلينيغراد» في بحر البلطيق، حيث لعبت في وقت سابق دور إعادة صيانة بعض المروحيات التابعة للأسد، لكنها بعيدة نسبيا ويصعب على الروس الاتكال عليها كون منطقة «كلينيغراد» وسط دول أوروبية تابعة للناتو وموسكو تغذيها دائما بالعتاد جوا، وهذه تكلفة عالية على الروس. والثالث في موانئ في الشرق الأقصى الروسي والبعيدة جدا، حيث أشيع أن إحدى الغواصات النووية الروسية حضرت إلى الشواطئ المقابلة لسورية إبان التحضيرات الأمريكية للضربة العسكرية، لكن مع تنامي سباق التسلح في المحيط الهادي بين الولاياتالمتحدة والصين ونبأ إعادة انتشار سلاح الجو الروسي في الشرق لا يبدو أن تلك الموانئ ستكون موجودة لخدمة الأسد. وبالعودة إلى الأزمة الأوكرانية، سقط الرئيس يانوكوڤيتش الذي رفض التوقيع على الاتفاقية الجمركية مع الاتحاد الأوروبي بضغط من موسكو، وقد كان الهدف الروسي هو ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الجمركي «الأوراسي»، والذي تسعى لتشكيله في وجه الاتحاد الأوروبي، ما أشعل الاحتجاجات الغاضبة في الشارع الأوكراني. من دون أوكرانيا، والتي يعتمد عليها الروس كمصدر غذائي مهم للحبوب في الغرب، ستفشل روسيا اقتصاديا في تشكيل هذا الاتحاد، والذي تهدف موسكو من خلاله إلى جمع الدول التي تحيط بها، والتي انضمت لها كازخستان المهمة بالطاقة وبلاروسيا. وهنا نسأل: ألا يحق للأوكرانيين أن ينضموا إلى أوروبا وينعموا بالأمن والسلام والرفاهية والحرية، أو الأفضل لهم اتباع «الأوتقراط» في موسكو الذي ينتهج سياسة ستالين والقياصرة السابقين المبنية على الاعتماد على منظومة أمنية لحميات أقاليم غير مترابطة اقتصاديا، وبذلك تبقى أوكرانيا مزرعة له ولجماعته، حيث تتقاسم الشركات التي تديرها الأجهزة الاستخباراتية والمافيا الروسية مقدرات الأوكرانيين. من المنظور الجيوساسي، تعتبر أوكرانيالروسيا حاجزا دفاعيا أو ثغرة لصد أعداء موسكو المفترضين، فالطريق من أوكرانيا صاحبة أطول حدود لروسيا «1576 كلم» في الغرب أرض منبسطة لا يعوقها أي عائق طبيعي إلى الوسط الروسي، فضلا عن وجود مقر أسطول البحر الأسود، حيث يعمل على متن سفنها أوكرانيون «بهواء وخيالات السوڤيت القديم» أبناء وأقرباء الجنرالات وضباط الاستخبارات من حقبة الحرب الباردة. وللمفارقة، فإن الخطر المحدق على الإنسانية بوجهة نظر وزير الخارجية لافروف «المتطرفون»، نعم ليست زلة لسان أن يصف الأوكرانيين القوميين بالمتطرفين، فلقد جرت العادة على ألسنة الروس وصف كل من يعادي مصالحهم بالمتطرفين، ابتداء «بغروزني» من قبل، والمعارضة السورية الآن، وحتى ولو كان الأوكرانيون من عرق واحد ومذهب واحد، بل العكس أوكرانيا مستقلة وبمعاير أوروبية تشكل خطرا حقيقيا ثقافيا منافسا على حكم الشعب السلافي والأورثوذكسي لروسيا التي تعاني أزمة هوية، فأقيمت لها المحافل والمنتديات والمؤتمرات والحملات الإعلامية للبحث عن الهوية، وذلك لإيجاد صيغة تجمع بين إثنياتها التي تقارب 185 إثنية تحت حكم نظام أوتوقراطي يسيطر عليه «السلافيون» الأورثوذكس. روسيا الأم «الحنون» لا تستطيع التخلي عن الابن الضال، ولكن كيف ستنجز وتحقق أوكرانيا الحلم القديم والانفصال الشرعي عن أمها «الحنون»، وقبول التبني الأوربي مع الإصرار الأوربي والأمريكي لهذا الانفصال.. يتبع.