من المظاهر المقيتة للبيروقراطية الإدارية وجود مسؤولين إداريين أو ماليين إذا عرضت عليهم من قبل مرؤوسيهم مذكرات بهدف التوقيع عليها أو التوجيه بشأنها أو الموافقة على ما جاء فيها من توصيات، فإن الواحد من أولئك المسؤولين بدلا من أن يوقع أو يوجه أو يوافق أو يرفض، يكتفي بكتابة عبارة «تعاد للمفاهمة أو للتفاهم» مع أن المعاملة أو المذكرة المعروضة عليه ليست سرا من الأسرار التي تمس الأمن القومي أو الاجتماعي، وإنما مجرد رأي إداري أو إجراء مالي اجتهد في طرحه الموظف المختص، وكان بإمكان من رفعت الأوراق إليه التوجيه نحوها أو الموافقة عليها أو إجراء ما يراه من تعديل على بعض فقراتها لتعاد إلى الموظف ليكمل اللازم نحوها ولكن المسؤول الإداري أو المالي فضل الاكتفاء بطلب المفاهمة حول المعاملة حتى يقف الموظف خاشعا بين يديه ويستمع إلى توجيهاته الشفهية وينفذها وقد تكون تلك التوجيهات غير نظامية أو غير صائبة ويحصل من ورائها ردة فعل مضادة لها، وعندها يأكل «الضربة» الموظف وحده لاسيما إذا لم يستطع إثبات أن الإجراء الذي بني عليه المعاملة كان بتوجيه شفوي مباشر من رئيسه المحترم لأن الأخير قد لا يعترف بأنه مصدر التوجيه أو يدعي النسيان وأن الإنسان ما سمي كذلك إلا لأن اسمه مشتق من النسيان أو تبلغ به «المروءة» إلى الحد الذي يجعله ينكر أن الموظف قابله في مكتبه أو أنه يعرفه ناهيك عن كونه قد وجهه بالقيام باتخاذ إجراء إداري أو مالي معين ؟!. وتبلغ البيروقراطية أسوأ صورها عندما يكتب مسؤول إداري أو مالي عبارة «للمفاهمة» فيحاول الموظف مقابلته فلا يحظى بالمقابلة إلا بعد عدة أيام أو أسابيع لأنه كلما طلب التشرف بلقائه قيل له: إنه مشغول بأكداس من المعاملات فإذا كان هذا هو حال الموظف المطلوب التفاهم معه داخل الإدارة فكم يحتاج المراجع لها من وقت ليحظى بالمقابلة هذا إن حظي بها أصلا !!.