تبحر بي سفينة الذكريات أحيانا إلى شواطىء أتوق إليها. فألتقي فيها وجوها أحن إلى عبق حديثها الحنون، وملامح وجهها الغائب عن حياتي قسرا. لكن ذلك الغياب لا يعني أن أنسى ما غرسته في روحي منذ الطفولة من حب ومبادىء تعزز قيمة الأخلاق في الحياة، مهما بدت الطرق للقيام بذلك الغرس حين كبرت غريبة أو طريفة. وبما أن شريط المشاهد اليومية لا يمنحني فرصا للتغافل أو النسيان حين أحاول، فسأشاركك بما ذكرني به.. وبحكاية تتعلق بالأمر. شريط المشاهد ذكرني بجدتي رحمها الله، المرأة البسيطة والمكافحة التي كانت تهتم كثيرا وبشكل قد يبدو مزعجا لمن لم يكن يدرك السبب حينها بحسن اختيار الألفاظ التي نستخدمها في الحديث مع غيرنا وبطريقته وبموضعه، فالحديث مع الكبار مثلا يختلف عمن يصغروننا ومن هم في سننا، ولم تغفل أهمية الكياسة أبدا!، وأكاد أجزم بأنها إن رأت ما يحدث اليوم، لتقدمت بطلب اللجوء إلى كوكب آخر!، فلا أعتقد أنها قد تتحمل مثلا سماع أسماء الحيوانات التي يتم تراشقها بين البعض في لحظات الغضب أو المزاح أو حتى الدلال !، ولم تكن لتتقبل أبدا أن يشبه أي إنسان مهما بلغ من السوء، بشيء كرمه الله عنه.. من باب الازدراء بفكره أو بسلوكه أو بمهنته !، وقد يصيبها التعب من تكرار أسطورة «لعنة الذنب» التي لطالما صدقناها حين كنا صغارا !. تقول الأسطورة باختصار، إن المرء حين يرتكب ذنبا في حق أخيه سواء كان الذنب لفظا أو فعلا، فإن لعنة ذنبه تلاحق من قام بتربيته حتى آخر يومٍ في حياته إن لم يبادر مسرعا في إصلاح خطئه !، وتكفي نظرة غضب واحدة ممن وقعت عليه الإساءة أو من ذويه أو أقاربه لحدوثها !، وبقدر طرافة القصة اليوم بعد انقضاء سنوات الطفولة، إلا أنها كانت حينذاك تشعرنا بالمسؤولية تجاه ما نقوم به من أفعال، وتدفعنا للحذر من إيذاء من تعبوا في تربيتنا ولو بكلمة نتيجة تصرف طائش أو حتى شقاوة بريئة!. لم يتبق إلا أن أقول، بأنه ليس لنا الحق في إطلاق الأحكام على غيرنا ورشق الآخر بألفاظ تسيء إليه وإلى أي شيء يتعلق به كإنسان، سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو في «كشتات» الأصدقاء أو في أي موضع، مهما بلغنا من العلم أو حققنا من مركز أو نجاح أو شهرة إلا في حالة واحدة!، أن نكون بشرا كاملين!، فهل نحن كذلك يا ترى؟.