أطلت العنصرية البغيضة برأسها من جديد في المجتمع، وهو ما يستدعى تحرك الجهات المختصة مثل المدارس والمساجد لتكثيف التوعية بأضرارها، وبيان ما قد تحدثه من فرقة بين أبناء الوطن الواحد. «عكاظ» طرحت قضية العنصرية على عدد من المواطنين والاختصاصيين، الذين نبذوا ذلك التصرف، مشيرين إلى أن التقنية الحديثة كالفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي غذت العنصرية وعملت على نشرها في المجتمع، كما شددوا على أهمية التوعية للقضاء عليها من خلال الالتزام بتعاليم الدين الحنيف التي ساوت بين البشر كافة، وجعلت العمل الصالح والتقوى معيارا للأفضلية. وبين خالد الصالح أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من العنصرية ومقتها، ودعا إلى أن يكون الناس أمة واحدة لرب واحد ولا فرق بين الناس إلا بالتقوى والإيمان وما يقدمه المرء لمجتمعه ووطنه وبني جنسه من فائدة، مبينا أن الذين يسعون في العنصرية هم فئة مريضة تعاني من نقص. وألمح إلى أن العنصرية والتعصب تصدر من أشخاص لديهم جهل في الدين والخلق السوي، مطالبا الجهات المختصة مثل المدارس والمساجد أن يكون لها دور فعال في التوعية وإيضاح خطورة العنصرية على نسيج المجتمع الواحد، وإنها أداة للفرقة وليست لجمع الناس، إنها تنفرهم من بعضهم بعضا. وأوضح يحيى المطير أن العنصرية هي رفض للآخر مطلقا والانتقاص منه، مبينا أن المواقع الاجتماعية لها دور كبير في نقل وتوجيه الجيل باتجاه العنصرية. وأرجع عبد الله حمود المسلم تفشي العنصرية إلى عدم تعليم الآباء لأبنائهم بأن للآخر حق عدم الانتقاص وله الاحترام المتبادل بينهم، موضحا أن عددا من القنوات الفضائية غير الملتزمة أججت العنصرية في المجتمع. بينما رأى يوسف التميمي أن العنصرية القبلية والمناطقية تفشت في المجتمع في ظل غياب دور بعض المؤسسات التعليمية والتربوية، مشددا على أهمية أن تكثف منابر الجمعة للتوعية بأضرار العنصرية على المجتمع. وقال التميمي: «من أسباب تفشي العنصرية هو ما يكتبه البعض في وسائل الإعلام الجديد دون رقيب، وإيمانه التام بأنه مجرد حديث يمر مرور الكرام، إلا أن آراءه قد تشعل فتيل العنصرية بين المجتمع مثل هذه التصرفات». واستغربت سعاد حسن نظرية التمييز بين البشر والتفرقة العنصرية التي لا تستند لدين أو منطق، متسائلة عن تفكير البعض الذي يقر لهم نبذ الآخرين بداعي اللون، مؤكدة بأن هذا التمييز مازال موجود إلى عصرنا الحاضر. وشددت على أهمية دور التعليم والمؤسسات الاجتماعية في توعية الطلاب بأخطار العنصرية، معتبرة أنه من الظلم وعدم الإنصاف احتقار شخص للون بشرته فقد يكون ذلك محبطا لقدراته وسببا في عزلته عن الآخرين. من جهتها، أفادت صالحة اليامي أن العنصرية تسللت إلى الوظائف، وباتت الشركات ودوائر العمل تشترط في المتقدم أو المتقدمة للوظيفة أن تكون بيضاء اللون رشيقة. واعتبر الشاعر والكاتب ناجي بطيش العنصرية داء مقيتا، فهي تفكك أي مجتمع تغزوه، وقال: للأسف الشديد البعض يتباها بجنسه والبعض بجنسيته والبعض باللون والجنس، على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى يقول (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) فالكل عند الله سواسية .. ولكن بهذه العنصرية البغيضة نسينا التقوى ونسينا الدين. وتمنت الكاتبة والمؤلفة عبير سمكري أن يتجنب الجيل الجديد العنصرية لأنها أصبحت تهدم بيوتا، وهي أكثر من الواسطة في التأثير على البشر رغم حساسيتها، والبعض يفرق بين أفراد المجتمع من حيث قبيلته أو لونه، موضحة أن بعض الفتيات الجميلات يتعاملن مع الآخرين بفوقية وتعالٍ، لأن الله منحهن قليلا من الجمال. وعزت الدكتورة هناء المطلق أستاذة في جامعة الملك سعود قسم علم النفس وعضوة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن العنصرية تدعو إلى الانغلاق على النفس والثقافة والخوف من الآخر المختلف وبالتالي يجب أن نعرف أن الشخص العنصري بالدرجة الأولى خائف ويبدو عدوانيا، موضحة أن العنصري يحمل كما كبيرا من الغضب يسقطه على الآخر. وذكرت المطلق أن العنصري يعتقد أنه لا يوجد له مثيل، وأنه المرجع الأساسي وبالتالي فمن لا يشبهه فهو حتما على خطأ وبالتالي يجب أن يعاقب اعتمادا على كمية الغضب التي يحملها الشخص المتعصب. وأوضحت الدكتورة المطلق أن التمركز حول الذات هو مرحلة طفلية طبيعية يمر بها الأطفال وكلنا مررنا في مرحلة التمركز حول الذات إذ يرى الطفل أفكاره على أنها حقيقة واقعة ولكن إذا لم تساعده أساليب التربية وبالذات مناهج التعليم على الخروج من بوتقة التمركز حيث تساعده على أن ينتقل إلى مرحلة جديدة هي مرحلة تسمى ب «التفكير المنطقي» ، ليصل إلى وعي أن الآخرين يشاركونه العالم ومن حقهم أن يختلفوا كما أن من حقه أن يختلف وهذه المرحلة عادة ما يخرج منها الطفل في سن التاسعة لو أنه حصل على تربية وتعليم، مشددة على أهمية دور المختصين في المناهج لحل مشكلة العنصرية. في حين، طالبت الأخصائية الاجتماعية سميرة الغامدي من كل شخص التأكد من أنه خالٍ من العنصرية التي تعني التمييز بين شخص وآخر، مشيرة إلى أننا نستخدم العنصرية في هزلنا وضحكنا بقولنا أنت أسود أنت أبيض أنت من قبيلة كذا أنت من القبيلة الفلانية، مشددة على أهمية محاسبة أنفسنا والعمل على تجنب تلك الأمور التي قد تفرق بيننا والآخرين . في حين، أوضح الدكتور محمد باشا استشاري علاقات أسرية مدرب مهارات التفكير وأساليب اتخاذ القرار أن العنصرية هي الاتكاء على إحدى المميزات القبيلة أول موروث على الطور القبلي مثل وحدة الجنس واللون أو الأصل واللغة والتقاليد، لافتا إلى أن العنصرية تستند في أغلب الأحوال إلى اللون رغم أنه ليس أكثر من الاستجابة الفيسيولوجية. وأشار إلى أن العنصرية مرض اجتماعي يدب في جسم الأمة ليحولها بعد ذلك إلى أشلاء متناثرة، مبينا أن للعنصرية آثارا مدمرة تفتت الأفراد والجماعات، ولها آثار سيئة أخرى تنشر الفساد في المجال التربوي ومنها هذا الصراع والعدوان وتغميد التعليم. وقسم الدكتور صالح بن سعد اللحيدان المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية بدول الخليج والشرق الأوسط، وأستاذ كرسي القضاء الجنائي، العنصرية بحسب الرؤية القضائية والعلمية إلى خمسة أقسام يجب البعد عنها لكي لا تشكل بؤرة فتنة وبغضاء وعداوة بين الناس. أولها: العنصرية اللونية وهي لا تشكل فارقا بين الأمة فقد كان يوجد بين الصحابة والتابعين من كانت بشرتهم سوداء وخدمهم أشراف القبائل وعلية القوم كسعيد بن جبير، وبلال بن رباح، وأسامة بن زيد، رضي الله عنهم، فهؤلاء حملوا العلم وأضافوا وأبدعوا وأسسوا، فلو تقدم الواحد منهم للزواج من بيت أشراف القبائل لزوجوهم، لأن العلم والورع يطرح العنصرية وينهيها وهذا ما حث عليه الدين الإسلامي وشدد عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم. الثاني: العنصرية القبلية وهذا معروف في الجاهلية عند الرومان وأثينا والحميريين والتبعيين، قبل الإسلام فلما جاء الرسول صلوات الله عليه بالدين جعل المقياس والمعيار والضابط للتفريق بين الناس هو تطبيق التوحيد تطبيقا عمليا في القول والعمل والاعتقاد، مبينا أنه لا بأس بأن ينحاز الإنسان إلى قبيلته لكن ليس لحد التعصب والتعنصر لها كي لا يدخل في أمور الجاهلية التي حذر منها رسول الله بقوله: «دعوها فإنها منتنة» ، وفي رواية أخرى «ليس منا من دعا إلى جاهلية»، فعنصر القبيلة قد يشكل خطرا على دين الشخص لأن الشريعة والدين فوق ذلك والإسلام جمع الأمة أسودها وأبيضها عربيها وأعجمها وساوى بين الناس. الثالث: التمسك بالعرف التقليدي «كاللهجة» أو لغة معينة فإن الدين الإسلامي جمع الأمة على لغة واحدة. الرابع: عنصرية التزويج وهي عدم التزويج إلا من قبيلة معينة أو عدم الخروج إلى خارج القبيلة مطلقا لقبيلة أخرى أو عائلة آخرى لا تنتمي إلى قبيلة وهذا النوع من العصبية وهو مشكلة كبرى لأن الإسلام جاء وحسن من هذا الوضع. الخامس: عنصرية السمعة أو الإعجاب كالذين يتعصبون لأدب معين أو فريق رياضي أو جهة معينة أو عالم معين فتحدث الفرقة والضوضاء بين الأمة بينما هذه الأمور جميعها يجب أن تؤدي إلى المحبة المطلقة والوئام بين الناس والتآخي الحقيقي، فبالبعد عن العنصرية بكافة أشكالها تتحد الأمة من مشرقها إلى مغربها وشمالها وجنوبها. وحذر اللحيدان من تمادي الأشخاص في العنصرية كي لا يقع عليهم قول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمانِ ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون). وقال اللحيدان: «والله جل وعلى إذا ذم ذم وإذا عاقب عاقب، والمقياس عند الله المساواة بين البشر والتفريق بينهم يكون بالأعمال والتقوى»، موجها رسالة إلى وزير التعليم ووسائل الإعلام والمعنيين في الدولة بإدخال وبث مواد علمية وإعلامية تحث على نبذ العنصرية والتمسك بالتآخي لكي تذهب هذه العنصرية النتنة، كما وجه رسالته إلى كافة المواطنين بالابتعاد عن الجاهلية التي توقع بينهم العداوة والبغضاء والضغينة، فكم شهد المجتمع من نتائج هذه الأمور المحزنة كفراق الزوجين بسبب تكافؤ النسب أو اختلاف اللهجة واللون..